يلجأ العديد من اللبنانيين إلى منصة "صيرفة " الرسمية التي أنشأها مصرف لبنان لكبح الارتفاع الجنوني لسعر الدولار وتأمينه بسهر أقل من سعر السوق السوداء ليتمكن التجار من الحصول عليه بسعر مدعوم لدفع ثمن مشترياتهم وخاصة المستوردة من الخارج.
ويكسب الموظف الفارق من ثمن الدولار المدعوم عندما يعمد الى بيعه في السوق السوداء بفارق يترواح ما بين 6 و7 آلاف ليرة للدولار الواحد فيحد قليلا من انهيار قيمة راتبه بتعويض معقول، وعرفت هذه التجارة الحديثة بـ"تجارة صيرفة".
ما هي هذه التجارة؟
تشير مصادر مصرفية لموقع سكاي نيوز عربية إلى أن العملية تنفذ مرة واحدة في الشهر وبسقف مبلغ محدد لكل مواطن في القطاع العام لأن راتبه محدود، أما كبار التجار فقد يتخطى ربحهم الصافي عدة آلاف من الدولارات بحسب سقف المبالغ المالية التي بحوزتهم، والتي يمكنهم شراء الدولار المدعوم بها من منصة "صيرفة" الرسمية، وفق ما قاله تاجرأقمشة في بيروت لموقع سكاي نيوز عربية.
تؤكد المعطيات أن المصارف وضعت سقفاً لتحويل العملة اللبنانية بـ15 مليون ليرة، على أن يُقدم التاجر المستفيد طلباً في اليوم الأول وفي اليوم الثاني يتقاضى الأموال بالدولار المدعوم، ويصل الربح إلى حوالي 70 دولاراً في كل عملية تحويل.
أما موظفو القطاع العام والعسكريين فبإمكانهم قبض رواتبهم من البنوك وفق سعر منصة "صيرفة" بالدولار المدعوم ثم يقومون ببيع دولاراتهم في السوق السوداء ليربحوا الفرق، وقد يستدينوا بعض المبالغ لبلوغ السقف الأعلى المسموح به، وفي اليوم الثاني يعيدون المال لأصحابه فيربحوا الفارق الذي قد يصل الى ما بين 20 و40 دولاراً حسب المبلغ المودع في الحساب.
يوضح سامر( موظف في شركة إلكترونيات) أنه عمد إلى استدانة 15 مليوناً من أحد أقاربه، وأعاد المبلغ في اليوم الثاني للشخص الذي قام بتحويله"
"يقول سامر لموقع سكاي نيوز عربية إن "التجار يشترون الدولار وفق منصة "صيرفة" ويبيعوننا الإلكترونيات وفق السوق السوداء الذي يواصل تحليقه"
ما هي منصة صيرفة؟
بسبب الأزمة التي تعيشها البلاد أطلق مصرف لبنان في يونيو 2020 "منصة صيرفة " بهدف الحدّ من انهيار سعر صرف الليرة وتأمين الدولارات للتجار والمستوردين، للحدّ من ارتفاع أسعار السلع، وفقاً لسعر الصرف المعتمد في السوق السوداء.
ألزم الصيارفة باعتماد سعر الصرف المحدّد عبر المنصة، وتسجيل العمليات بالدولار، في محاولة لوقف المضاربات التي تعمل بشكل متعمّد، على تسريع انهيار الليرة.
وفق الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود فإنّ "التداعيات السلبية للمنصة، تكمن في أنّها تفتح باب الاستنسابية في اختيار المستفيدين منها، أي الأفراد الذين يشترون الدولارات عبرها بأسعار صرف أقلّ من السوق السوداء من خلال المصارف.
أما إيجابيات صيرفة، وفق حمود فهي " تخفيض الطلب على الدولار في السوق السوداء، حيث تلبّي نسبة كبيرة من طلب التجار على الدولارالأميركي "
كيف يستفيدون من الأزمة؟
يبرر الأشخاص الذين يمارسون التجارة الجديدة في "سوق صيرفة" أنهم يحاولون الاستفادة من الأزمة ومعظمهم من موظفي القطاع العام، ويقول أحد موظفي وزارة الأشغال العامة لموقعنا " نحاول تحقيق أرباح لم تعطنا إياها الدولة"
لا رقيب ولا حسيب
اللافت هذه المرة أن التجار يلعبون بالسوق على هواهم، من دون أي رادع، ويتحكمون بالأسعار تحت مسمى"لعبة الدولار"، الكل يشتري الدولار وفق منصة "صيرفة" ويبيعه وفق السوق الموازية، وفق تحليلات خبراء الإقتصاد الإعلامية·
يقول محمد من سكان منطقة الطريق الجديدة إن تجار الكهرباء (أصحاب المولدات الخاصة والاشتراكات) يشترون دولاراتهم عبر منصة صيرفة، ما يعني أن أحداً منهم لا يخسر وفق رواياتهم المتكررة أمام الزبون الفقير وغالباً ما يهددونه بوضع ضريبة عن كل يوم تأخير·
يضيف محمد لموقع سكاي نيوز عربية "أعمل في تخليص البضائع، لا عمل لديّ في هذه الفترة بسبب أوضاع المرفأ. يهددني صاحب مولد الكهرباء الخاص في المنطقة برفع سعر فاتورة الكهرباء بحجة أن سعر المازوت ارتفع، رغم أنه يشتري الدولارات التي يسدد بها ثمن المازوت عبر منصة "صيرفة" الرسمية المدعومة من مصرف لبنان التي شرّعت سرقة التجار للناس أكثر، بدلاً من لجم الأسعار، فإما أن أدفع وإما العتمة الشاملة".
من المستفيد؟
يقول الباحث الإقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة إن تجارة صيرفة ليست بأمر مُستجدّ فهي بدأت مع بدء المنصة وزادت مع التعميم 161. ويوضح لموقع سكاي نيوز عربية أن "التجار والصيارفة هم المستفيدون الأوائل من التجارة على منصة صيرفة حيث يوزعون الأرباح فيما بينهم وهذا الأمر معلوم من الجميع". ويضيف: "قام مصرف لبنان بطرح المنصة للتخفيف على المواطن عبر التخفيف من وزن السوق السوداء. لكن التجار والصيارفة استفادوا من ذلك وقاموا بشراء الدولارات على منصة صيرفة وبيعها على سعر السوق السوداء وزيادة عن ذلك بحجة حماية أنفسهم".
وعن المستفيدين الآخرين يقول عجاقة: "بالطبع هناك بعض المودعين ومن بينهم بعض موظفي الدولة الذين باتوا مضطرين للقيام بعمليات صيرفة لزيادة أي دخل للعيش وهو ما دفع بعض المصارف إلى بدء رفض تطبيق التعميم 161 وهو دليل على أنهم بدؤوا يتضررون من جراء ذلك فيما يبقى الخاسر الأكبر مصرف لبنان. وهذا دليل على عجز الحكومة التي حولت المواطن من عمله الحقيقي إلى تجارة العملة (غير القانونية لغير المرخصين) من خلال تأخرها في إقرار الإصلاحات".
ويختم عجاقة مؤكداً أن الحلّ يبقى بقيام الحكومة بإصلاحات وعلى رأسها إقرار القوانين المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي وأهمها قانون الكابيتول كونترول والموازنة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي... وغيرها من القوانين الضرورية بالإضافة إلى مُحاربة التهريب ومكافحة المضاربة والاحتكار ووضع حد لهذه المخالفات من خلال تطبيق القانون.