هوى سعر الجنيه الإسترليني أمام الدولار، بنحو 0.9 بالمئة، في تعاملات اليوم مسجلا أدنى مستوياته منذ عام 1985، إذ يتخلى المستثمرون عن الأصول البريطانية في مواجهة توقعات اقتصادية قاتمة واتجاه صعود قوي للعملة الأميركية.
وتراجع الجنيه الإسترليني إلى 1.1418 دولار، بانخفاض بنسبة 0.9 في المئة، حيث يتعرض لضغوط من زيادات حادة في التضخم ومخاوف بأن تخفيضات ضريبية وزيادة في الإنفاق العام في ظل حكومة جديدة قد يفاقمان ضغوط الأسعار.
والعملة البريطانية، التي هبطت أكثر من 15 بالمئة مقابل الدولار حتى الآن هذا العام، تشكل أيضا صداعا لبنك انجلترا المركزي لأنها تزيد من تكلفة الواردات ويمكن أن تسبب المزيد من التضخم المستورد.
وكان الإسترليني قد سجل أدنى مستوى تاريخي على الإطلاق عند 1.0545 دولار في مارس 1985.
وأمام العملة الأوروبية، هبط الإسترليني أيضا حوالي واحد بالمئة إلى 86.83 بنس لليورو رغم أن أداءه أمام اليورو في 2022 أفضل من أدائه مقابل الدولار. وهو منخفض ثلاثة بالمئة فقط مقابل العملة الأوروبية حتى الآن هذا العام.
وسجل الاسترليني أسوأ شهر من الأداء أمام الدولار في أغسطس منذ الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016. وشهدت بعض السندات الحكومية البريطانية أكبر هبوط في أسعارها في عقود.
ومعظم اضطرابات السوق سببها معدل مرتفع جدا للتضخم في المملكة المتحدة هو الأعلى بين مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى.
من جهته، قال وزير المالية البريطاني، كواسي كوارتنج، في بيان اليوم الأربعاء، إنه ومحافظ بنك إنجلترا المركزي أندرو بيلي سيجتمعان بشكل منتظم، مرتين أسبوعيا في البداية، لتنسيق الدعم الاقتصادي خلال الأشهر المقبلة.
وقال البيان إن "وزير المالية ومحافظ بنك انجلترا اتفقا على العودة للاجتماعات الأسبوعية.. بدءا باجتماعين في الأسبوع في بادئ الأمر، والتنسيق عن كثب لدعم الاقتصاد على مدار الأشهر المقبلة".
وكانت بنوك استثمار توقعت أن يواصل الجنيه الإسترليني تراجعه إلى مستويات متدنية أمام الدولار فيما تبقى من العام الجاري، وخلال العام المقبل، ليقترب من مستوى التعادل مع العملة الأميركية.
وقال المدير التنفيذي لشركة المتداول العربي، أحمد عياد، في تصريحات سابقة لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه "مع إصرار بنك إنجلترا على عدم تشديد السياسة النقدية بقوة على غرار الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الكبرى، فقد يعتبر ذلك هو العامل الأهم الذي سيجعل الإسترليني يسجل خسائر قوية أمام الدولار، وربما قد نشاهد نقطة التعادل بين العملتين في المستقبل القريب".
ويرى د. محمد الحدب، الخبير بالاقتصاد والسياسة العامة وأستاذ المحاسبة المالية بجامعة آل البيت في الأردن، أن سبب تراجع الجنيه الإسترليني أمام الدولار ينقسم لعدة نقاط، أبرزها هو الارتفاع الكبير في التضخم، والذي يحاول المركزي البريطاني جاهدا خفضه من خلال رفع معدلات الفائدة، ومن المتوقع أن يرفع البنك المركزي البريطاني معدلات الفائدة الأسبوع القادم بواقع 50 إلى 75 نقطة أساس.
وأضاف الحدب أن هناك مخاوف محتملة تتعلق بقيام رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة بخفض الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي، مما قد يتسبب في رفع نسب التضخم الحالية وزيادة الأسعار بأكثر مما هي عليه حاليًا.
كما أن التوقف في إمدادات الغاز من روسيا إلى أوروبا قد أثر سلبا على اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي، بحسب قول الحدب، ليضيف أن تبعات وقف الغاز قد امتدت إلى الاقتصاد البريطاني، بسبب التعاملات التجارية الكبيرة ما بين بريطانيا ودول الاتحاد الاوروبي.
وأشار إلى أن المخاوف من حدوث ركود اقتصادي في بريطانيا كبيرة، وتزيد من ضعف الإسترليني، خاصة في ظل نسبة التضخم التي تعتبر الأعلى مقارنة مع الاتحاد الأوروبي وأميركا والدول الصناعية الكبرى، حيث تشير التوقعات أن التضخم سيبلغ مستويات قياسية غير مسبوقة في بريطانيا خلال الفترة القادمة.
وقال الحدب إن الحكومة الحالية، برئاسة ليز تراس، قد تسلمت مشاكل اقتصادية كبرى من حكومة بورس جونسون، ومن غير المتوقع أن تستطيع كبح جماح هذه المشاكل بسرعة، وخصوصا مع الارتفاع الكبير بالأسعار، والغلاء الذي يلمسه المواطنين بشكل واضح في المملكة المتحدة، ما يعني أن الإسترليني قد يواجه المزيد من الضغوط في الفترة القادمة.