وسط مشكلات كثيرة تعاني منها المملكة المتحدة، باتت النظرة تجاه تحركات الجنيه الإسترليني في الفترة القادمة أكثر قتامة، فعلى الرغم من اتجاه بنك إنجلترا لرفع معدلات الفائدة بشكل مرجح في الفترة القادمة، إلا أن مستقبل عملة بريطانيا قد يشهد مزيدا من التراجع.
في تداولات اليوم الأربعاء، تراجع الجنيه الإسترليني أمام الدولار الأميركي بنسبة 0.33 بالمئة ليصل إلى 1.1617 دولار، مقتربا من أدنى مستوى أمام العملة الأميركية منذ عام 1985.
وكان الجنيه الإسترليني قد هبط إلى مستويات 1.1412 دولار خلال تداولات يوم 19 مارس 2020.
كما وارتفع اليورو أمام الجنيه الإسترليني بنسبة 0.69 بالمئة، ليصل إلى 0.8651 جنيها.
وكان بنك إنجلترا قد رفع معدلات الفائدة في مطلع شهر أغسطس الجاري بمقدار 50 نقطة أساس، أو بنصف نقطة مئوية، بهدف السيطرة على التضخم.
وكان المركزي البريطاني من أوائل البنوك المركزية التي قادت حركة رفع معدلات الفائدة في ديسمبر الماضي، بهدف مواجهة التضخم المرتفع.
وقفز التضخم في بريطانيا، بأكثر من التوقعات، إلى 10.1 بالمئة على أساس سنوي في يوليو، مقابل 9.4 بالمئة في يونيو، ليظل عند أعلى مستوياته في أكثر من 4 عقود.
تحركات في النطاق الأحمر
وقال خبير الأسواق العالمية، علي حمودي، إن النظرة للجنيه الإسترليني لا تزال سلبية بالوقت الحالي بسبب العديد من المعطيات، موضحًا أن التراجع الذي حدث للعملة البريطانية في شهر أغسطس كان أكثر قوة من تراجع الإسترليني بوقت خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي "بركسيت" مطلع عام 2020.
وأشار إلى أن بيئة سوق العملات الحالية، والتي تبتعد عن المخاطرة، والأوضاع الحالية في بريطانيا تمنع تعافي الإسترليني بالشكل اللازم، إذ تسود المملكة المتحدة حالة من عدم اليقين السياسي، فمن المنتظر أن يتم اختيار رئيس وزراء جديد للبلاد الأسبوع المقبل، كما أن هناك حالة من القلق في العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، فضلا عن مشكلات البلاد الاقتصادية.
وأضاف أن عدم الوضوح فيما يتعلق بسياسة الحكومة الجديدة المرتقبة، ومدى اتفاق سياساتها مع بنك إنجلترا، والذي من المرجح أن يرفع الفائدة بمقدار يتراوح بين 50 و 75 نقطة أساس خلال سبتمبر، تزيد من ضعف العملة البريطانية.
ويتوقع حمودي أن يستمر ضعف الإسترليني في الفترة المقبلة، ليتراجع الجنيه الإسترليني إلى ما دون 1.16 دولار، وهي نقطة المقاومة الحالية، إلى مستوى 1.120 وهي نقطة المقاومة في المدى القصير.
وقال علي متولي، الاقتصادي ومحلل المخاطر بشركة انفوسبكترم للاستشارات، ومقرها لندن، في تصريحات لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه يتوقع أن يستمر ضعف الجنيه الإسترليني أمام الدولار الأميركي، ليظل عند مستوياته الحالية حتى نهاية عام 2022، ويصبح متوسط سعر العملة البريطانية خلال عام 2022 عند 1.25 دولار.
وأضاف علي أن متوسط سعر الجنيه الإسترليني سيواصل التراجع أمام الدولار إلى حدود 1.20 دولار خلال العام القادم، وأن يرتفع متوسط الجنيه قليلا في عام 2024 إلى 1.22 دولار.
وأوضح متولي أن ضعف الإسترليني سيستمر في الفترة القادمة كونه ناتج عن 3 نقاط أساسية، أولها الانكماش المتوقع في الاقتصاد البريطاني خلال الربع الأخير من العام المالي الجاري، وبداية الربع الأول من العام المالي القادم، والذي يضغط بقوة على العملة البريطانية.
وأضاف أن تعافي الصادرات البريطانية، وهي النقطة الثانية، يحدث بوتيرة بطيئة، بسبب الاضطرابات في سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف المعيشة، والذي أثر بشكل كبير على الطلب على السلع في المملكة المتحدة.
وثالثًا، أضاف متولي، أن السياسة النقدية المتشددة التي يتبعها الفيدرالي الأميركي تقوي من الدولار أمام العملات الأخرى.
ويعاني الاقتصاد البريطاني من أزمة في تكلفة المعيشة خلال العام الحالي تسببت في زيادة التضخم، ومن المتوقع، بحسب تصريحات متولي، أن تستمر على الأرجح حتى منتصف العام القادم، على أن تتراجع التكاليف بشكل تدريجي بعدها.
وتوقع خبراء ببنك "سيتي غروب" أن يتجاوز التضخم في المملكة المتحدة مستوى 18 بالمئة في شهر يناير المقبل، متأثرًا بالقفزة القوية في أسعار الطاقة.
وبحسب مذكرة بحثية أعلنها البنك الاستثماري الأميركي الكبير في وقت سابق من شهر أغسطس، فقد عدل البنك من توقعاته لمؤشري أسعار المستهلكين وأسعار التجزئة لتصبح بنسبة 18 بالمئة و21 بالمئة على التوالي، وتحديدًا خلال الربع الأول من العام القادم.
وقال متولي إن بنك إنجتلرا على سيقوم برفع معدلات الفائدة في الفترة القادمة حتى تصل إلى 2.5 بالمئة بحلول شهر مارس القادم، ليكبح التضخم ويسير بشكل متوازي مع البنوك المركزية الأخرى التي تشدد من سياستها النقدية.
إلا أن رفع الفائدة لن يحسن من قوة الجنيه الإسترليني أمام العملات الأخرى، بحسب قول متولي، والذي رجح أن تظل الضغوط عليه أكبر، ليظل متراجعًا أمام الدولار الأميركي.
وحول التضخم، فيرى متولي أن مستهدفات بنك إنجلترا لخفض التضخم إلى حدود 2.5 بالمئة لن تحدث قبل عام 2024، وهو السيناريو الأكثر واقعية.