كانت مصر قديما من أول الدول التي أنتجت الحرير اللازم لصناعة المنسوجات المختلفة، لكن هذه الصناعة تراجعت على وقع عدة عوامل، أبرزها تخلي منتجي الحرير الخام عن هذه المهنة، بسبب إغراق البلاد بالحرير المستورد من الخارج بثمن رخيص، خاصة من الصين، لكن المناخ المصري وتوفر عوامل الاستثمار في الوقت الحاضر، ساهمت في إعادة إنتاج الحرير إلى الواجهة.
وتعمل عدة جهات على إعادة إنتاج الحرير محليا، بما يلبي حاجة السوق المصري ويعيد هذه الصناعة للواجهة، عبر مشروعات متكاملة تشمل زراعة التوت، وتغذية دودة القز عليه لإنتاج الحرير، واستغلال المخلفات في عدد من الصناعات الأخرى.
وأوضح مدير العمليات الإنتاجية في شركة "وادي الحرير للتنمية"، سامح فؤاد، أنه "بعدما أغرقت الصين السوق المصري بالحرير رخيص الثمن، منعت تصديره لمصر بسبب التنمية الاقتصادية التي حدثت هناك، وبالتالي أصبح التجار المصريون مضطرون لشراء حرير رديء من الخارج، الذي بات صناع المنسوجات مضطرين لاستخدامه أيضا".
وأضاف فؤاد في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "بدأ منذ عام 2009 في عملية تأسيس قاعدة بيانات عن منتجي الحرير في مصر، وعددهم، وأماكنهم والكميات التي يحتاجونها وسبب تعثرهم".
وبعد ذلك، تم تكوين فريق عمل من مختصين قادرين على إعادة هذه الصناعة للعمل، دون الوقوع في فخ الإغراق الذي حدث في السابق، بحسب سامح.
واستطرد: "تم العمل في المرحلة الثالثة على الحصول على خبرات التنفيذ الفعلي على أرض الواقع، لأن هذه الصناعة كانت تحتاج لتوطين التكنولوجيا، فهناك أشياء يصعب تطبيقها في مصر، وأشياء أخرى تحتاج للتطبيق بطريقة معينة حتى نحصل منها على عائد، وهذه المرحلة استغرقت قرابة 3 سنوات للوصول إلى المنهج المصري لتطبيق مشروع الحرير".
"مشروع متكامل ومنتجات متنوعة"
وأكد فؤاد أن "هذا المشروع بدأ في النمو والازدهار بداية من 2015(...) بدأنا نعمل في مزارع متكاملة بنظام Zero waste (صفر هدر) لاستغلال كل شيء في المشروع بشكل متكامل، فمثلا زراعة أشجار التوت بكثافة 7 آلاف شجرة للفدان، ثم نقوم بتغذية دود القز على أوراق هذا النبات، وثمار التوت تباع في السوق، والخشب المتبقي يتم تجفيفه وطحنه كبيئة لنبات عيش الغراب (المشروم المحاري)".
كما أن "فضلات دود القز تستخدم كسماد للأرض وطعام للأسماك، ومياه أحواض السمك تستخدم في الري، وبعد فك شرانق الحرير نحصل منها على العذراء التي تستخدم كطعام للأسماك والدجاج، وتستخدم المياه الناتجة عن عمليات تصنيع خيط الحرير في صناعة الصابون وسماد للأرض، وكذلك لأحواض السمك، وحتى عيش الغراب يباع سواء طازجا أو مجففا أو كبودرة، والسيقان تجفف وتطحن وتباع كمنتج آخر، مما يجعل فدان الحرير قادرا على إنتاج 10 منتجات".
وتقوم شركة "وادي الحرير"، بعمل مشاريع متكاملة قائمة بذاتها، تستطيع إنتاج كميات جيدة تغذي السوق المحلي من الحرير.
وتقدم عينات للخارج بهدف فتح باب للتصدير حال تغطية السوق المحلي، ويتم إنتاج حرير مناسب بجودة عالية يوفر المادة الخام لمنتجي السجاد في مختلف محافظات مصر.
وبعد اكتفاء السوق المصري، يتم العمل على التصدير للخارج. كما تعمل الشركة على مساعدة من يحتاجون لبدء مشاريع لإنتاج الحرير، عبر تدريبهم ومدهم بالخبرات اللازمة، حتى لو لم تكن لديهم فكرة مسبقة عن هذه الصناعة.
أهمية دور الجهات البحثية
وفي هذا الإطار، شدد فؤاد على "دور الجهات البحثية ذات العلاقة في مصر، مثل قسم بحوث الحرير والمعمل المركزي للنخيل، حتى يتم تطوير هذه الصناعة بشكل متكامل".
كما لفت إلى أن "مشروع إنتاج الحرير يركز على التنمية المستدامة"، مشددا على أن "المناخ المصري يساعد بشدة في تنفيذ هذا المشروع".
ودعا الرجل دول العالم العربي إلى "الاستثمار في مجال الحرير بمصر، بما لديها من خبرة وعلماء قادرين على تطوير هذا الإنتاج".