يتسابق الدولار والروبل في اكتساح عملات العالم، رغم كل الصعوبات الاقتصادية التي تواجه أميركا وروسيا الغريمتين في ساحة الأزمة الأوكرانية.
فواشنطن وموسكو تقفان على طرفي الصراع في الحرب التي أطلقتها روسيا في أوكرانيا قبل نهاية شهر فبراير الماضي، لكنهما في سوق العملات، اتحدتا أمام الجميع، وحقق كل من الروبل والدولار مكاسب كبيرة منذ بداية العام، في مقابل تراجع العملات الرئيسية الأخرى.
وجاء ارتفاع الدولار، على الرغم من تباطؤ الاقتصاد الأميركي، المهدد بالركود، وضعف القدرة الشرائية للمستهلكين، مع تفاقم التضخم. كما أن صعود الروبل جاء برغم العقوبات الغربية الواسعة والحصار الاقتصادي الذي يمارسه الغرب ضد موسكو ردا على الحرب الأوكرانية.
ومنذ بداية العام الجاري ارتفع مؤشر الدولار أمام سلة العملات الرئيسية بنحو 13 بالمئة، فيما ارتفع الروبل بأكثر من 20 بالمئة، ليصبح أفضل العملات أداء هذا العام، بعد الانتكاسة التي شهدها في بداية الحرب.
وكان الروبل انخفض بمعدلات حادة مع بداية أزمة أوكرانيا، ووصل لأضعف مستوياته أمام الدولار، في مارس قرب مستوى 139 روبلا للدولار، قبل أن ينخفض بعد ذلك وصولا إلى حوالي 59.7 روبل في تعاملات اليوم.
وفي مقابل ارتفاع الروبل والدولار، فإن باقي العملات الرئيسية شهدت انخفاضات كبيرة منذ بداية العام، فاليورو هبط في تعاملات اليوم الاثنين، دون الدولار للمرة الثانية منذ نحو 5 أسابيع وتحديدا في 14 يوليو من العام الجاري، وقد فقد حوالي 11.7 بالمئة من قيمته أمام العملة الأميركية منذ بداية العام.
كما أن الجنيه الإسترليني انخفض بنحو 12.6 بالمئة أمام الدولار منذ بداية العام، أما اليوان الصيني فقد هبط لأدنى مستوياته في عامين مقابل الدولار، في ظل اتساع العائد مع العملة الأميركية، نتيجة تيسير السياسة النقدية في الصين مقابل تشديدها بأميركا.
تحركات الفيدرالي تدعم الدولار
قال علي متولي، الاقتصادي ومحلل المخاطر بشركة انفوسبكترم للاستشارات، ومقرها لندن، في تصريحات لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن صعود الدولار يرجع بشكل أساسي إلى سلسلة زيادات أسعار الفائدة التي فرضها الاحتياطي الفيدرالي من أجل كبح التضخم، والتوقعات بمزيد من التشديد النقدي في الفترة المقبلة.
رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي معدلات الفائدة 4 مرات هذا العام، بإجمالي 225 نقطة أساس، من أجل السيطرة على معدلات التضخم الأعلى منذ 40 عاما، وسط توقعات بالمزيد خلال الفترة المقبلة.
وقال أحمد نجم، مدير مكتب FBS للأبحاث بالقاهرة، لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن تشديد السياسة النقدية بأميركا، هي السبب الأساسي في صعود الدولار أمام كل العملات، وخصوصا عملات الأسواق الناشئة.
وساهم رفع الفائدة الأميركية في سحب الأموال الأجنبية من الأسواق الناشئة لاستثمارها في العملة الخضراء، وهو ما أدى إلى إضعاف عملات هذه الأسواق وتعزيز الدولار.
وبينما يصعد الدولار، فإن الاقتصاد الأميركي يشهد تراجعا منذ بداية العام، حيث انكمش بنسبة 0.9 بالمئة في الربع الثاني من العام، بعد انكماشه بنسبة 1.6 بالمئة في الربع الأول، وهو ما يهدد الولايات المتحدة بالدخول في موجة ركود، نتيجة تشديد السياسات النقدية.
وقال متولي، إن "مواصلة رفع الفائدة بأميركا، من المتوقع في تقديراتنا أن تؤدي إلى ركود الاقتصاد بداية من الربع الأخير أو الربع الأول من العام المقبل، وهذا قد يكون له تأثير على سعر صرف الدولار، لكن حجم التأثير سيعتمد على مقدار الانكماش".
عائدات الطاقة تنقذ الروبل
قال علي متولي، الاقتصادي ومحلل المخاطر بشركة انفوسبكترم للاستشارات، إن صعود الروبل أمام الدولار في الفترة الأخيرة، يرجع إلى عدة عوامل، في مقدمتها إجبار موسكو للدول والشركات على سداد مدفوعات الطاقة بالروبل، وهو ما أدى إلى زيادة الطلب على عملتها، وزاد من قوتها أمام الدولار.
وهو ما اتفق معه المحلل الاقتصادي أحمد نجم، والذي أضاف أن توسع روسيا في تصدير النفط إلى روسيا وخاصة إلى الصين والهند، وارتفاع أسعار الطاقة، ساهم في تعزيز مواردها، ودعم عملتها.
وأشار نجم، إلى أن الاتفاق الذي أبرمته روسيا مع بعض الدول مثل الصين، للتعامل بالعملات الوطنية في التجارة البينية، بعيدا عن الدولار، ساهم أيضا في تعزيز الروبل.
وأضاف نجم: "في بداية الأزمة انخفض الروبل بشدة، حيث أن عزل روسيا عن نظام سويفت، والعقوبات المفروضة عليها، دفع السوق لتسعير العملة بهذا المستوى المنخفض، لكن مع الوقت، تحول الروبل للصعود، حيث وجدت روسيا أسواقا بديلة للطاقة رغم العقوبات، إلى جانب مطالبة الدول بالدفع بالروبل مقابل واردات الطاقة".
وساهمت قيود رأس المال الصارمة في روسيا، وتراجع الواردات نتيجة العقوبات، وارتفاع أسعار النفط والغاز، في دعم الروبل، وتحوله إلى الصعود.
وفي مايو الماضي، قالت وكالة الطاقة الدولية إن روسيا كانت تكسب ما يقرب من 20 مليار دولار شهريا من مبيعات النفط، حيث أدت أسعار الخام المرتفعة إلى رفع عائدات التصدير بنسبة 50 بالمئة.
وساعدت أسعار الطاقة المرتفعة روسيا على تحقيق فائض كبير في حسابها الجاري بالربع الثاني، بقيمة تصل إلى 80.1 مليار دولار، وهو أعلى مستوى له منذ عام 1994 على الأقل، على الرغم من العقوبات.
ويرى نجم، أن صعود الروبل قد لا يستمر طويلا، وقال إن سداد ثمن الطاقة بالروبل "خدعة، وستنكشف قريبا".
"الدول والشركات لا تزال تدفع باليورو مقابل الغاز، في بنك غازبروم الروسي، الذي يقوم بتحويله إلى الروبل، وهذا الأمر هو الذي عزز قيمة العملة الروسية، لكنه مجرد خدعة، وستنكشف، إذا استمرت الحرب"، بحسب ما قاله نجم.
ويتفق متولي، مع ما قاله نجم، في أن الروبل لن يتمكن من الصمود طويلا. وقال إن "الحرب كبدت روسيا خسائر حادة، وأثرت على عدة قطاعات اقتصادية بشكل سلبي، حيث أن البلاد تواجه صعوبة في تصدير بعض منتجاتها، كما أن الكثير من الشركات الغربية في روسيا أغلقت، أو تخارجت من البلاد، وبالتالي فإن صمود الروبل الحالي قد لا يستمر".
ويتوقع متولي، أن ينخفض الروبل مرة أخرى في العام المقبل إلى حوالي 105 روبل أمام الدولار، مقارنة مع 83 روبل في المتوسط هذا العام.
وأضاف: "في الوقت الحالي روسيا تمكنت من دعم الروبل، لكن إذا استمرت الحرب للعام المقبل، وبدأ تأثيرها على القطاعات الاقتصادية المختلفة يتزايد بشكل أكبر، سيؤدي ذلك إلى إضعاف العملة، وانخفاض سعر الصرف أمام الدولار، وهو ما تشير إليه التوقعات بالفعل، ومن المتوقع أن تشهد واحدا من أكبر الانكماشات في تاريخها".
وكانت وكالة بلومبرغ ذكرت، أن الحرب الأوكرانية، أعادت الاقتصاد الروسي 4 سنوات إلى الوراء، بعد أن انكمش بنسبة 4 بالمئة في الربع الثاني من العام الجاري. ومع ذلك فإن هذا الانكماش جاء بمعدلات أفضل كثيرا من التوقعات الأكثر تشاؤما.
غير أن الجانب الروسي يخالف التوقعات السابقة، حيث يتوقع أليكسي زابوتكين، النائب الأول لمحافظ البنك المركزي الروسي، عودة اقتصاد روسيا للتعافي في 2023 متوقعاً استمرار العقوبات ضد البلاد حتى عام 2025.
ويتوقع البنك المركزي الروسي انكماش الناتج المحلي الإجمالي بين 4 و6 بالمئة هذا العام، وبين 1 و4 بالمئة في العام المقبل.