منذ اندلاع أزمة أوكرانيا في نهاية فبراير الماضي، بدأت الدول الأوروبية تستشعر القلق الشديد نتيجة تراجع إمدادات الغاز من روسيا، والتي قد تؤثر على كافة جوانب الحياة في أوروبا.
وتعتمد دول الاتحاد الأوروبي على واردات الغاز الروسي بشكل كبير، إلا أنها واجهت اضطرابات كبيرة، شملت توقفًا كاملًا لخط أنابيب "نورد ستريم 1" ، قبل أن تعود الإمدادات من خلاله إلى أوروبا، ولكن بمستوى 20 بالمئة فقط من طاقته الاستيعابية.
النقص الشديد في الغاز الروسي أثار مخاوفًا كبيرة تتعلق بعرقلة القطاع الصناعي في الدول الأوروبية، وخاصة قطاعات صناعة المعادن.
وقال المدير العام بمصنع "إف دابليو إتش شتالجوس" لمواد الصلب في ألمانيا، لارس شتاينهايدر، إن توقف إمدادات الغاز من روسيا سيدفع المصنع للتوقف عن العمل بشكل فوري.
وذكر تقرير لموقع "دويتشي فيليه" الألماني إن المصنع، والذي تأسس منذ عام 1811، يستهلك الطاقة بكثافة، ويعتمد بشكل كبير على الغاز في عمليات التسخين وإذابة الصلب والمعادن الأخرى، شأنه شأن أغلب المصانع العاملة في قطاع صب وتشكيل المعادن.
وأضاف شتاينهايدر أن توقف الغاز الروسي لن يؤثر على إنتاج مصانع الصلب وحسب، بل سيمتد إلى قطاعات مختلفة قد تكون بعيدة، إذ لن تتمكن المصانع من العمل على إنتاج توربينات إنتاج الطاقة من حركة الرياح، والتي تعتمد عليها البلاد بشكل كبير في التحول إلى إنتاج الكهرباء عبر المصادر المتجددة.
وأوضح أن عملية إنتاج وتصنيع الصلب تعتمد على مدخلات إنتاج أخرى يتم استيرادها من روسيا بغير الغاز، مشيرًا إلى أن ألمانيا تستورد مواد خام، مثل النيكل، والتي قد تتأثر إذا ما زادت وتيرة الخلافات بين روسيا وأوروبا.
وتعتمد ألمانيا على الغاز الروسي بشكل رئيسي، إذ أن نحو 60 بالمئة من استهلاك ألمانيا من الغاز يأتي من الجانب الروسي.
وذكر صندوق النقد الدولي في تقرير له، أن توقف إمدادات الغاز الروسي قد تعرقل الإنتاج الصناعي في القارة العجوز بشكل كبير.
وذكر التقرير، والذي صدر في يوليو الماضي، أن قطاعات الصناعة تستهلك نحو 23 بالمئة من استهلاك الاتحاد الأوروبي من الغاز.
وتستهلك المناطق السكنية نحو 34 بالمئة من الغاز، بينما تبلغ حصة توليد الطاقة نحو 32 بالمئة، وتستهلك القطاعات الأخرى نحو 11 بالمئة.
تأثير مزدوج
تأثير الأزمة الأوكرانية إلى أوروبا دفع أسعار الغاز إلى مستويات بالغة الارتفاع، ما تسبب في عرقلة الصناعات الأوروبية التي تعتمد عليه، ليصبح تأثير إمدادات الغاز مزدوجا على القطاع الصناعي الأوروبي.
وأعلن أكبر مصانع الألمنيوم في فرنسا عن تجميد خططت واعدة كانت تهدف لزيادة الإنتاج، إذ بات مصنع "دانكيرك" للألمنيوم عاجزًا عن التوسع نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير.
كما أجبرت العديد من مصاهر الألمنيوم في فرنسا، والتي تعد من القطاعات الأكثر كثافة في استهلاك الطاقة، على خفض الإنتاج أو العمل بشكل متقطع بهدف تقليل استهلاك الطاقة، بحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ.
وذكر تقرير مختلف لبلومبيرغ أن أحد أكبر مصاهر الزنك في أوروبا سيتوقف عن الإنتاج بحلول شهر سبتمبر بسبب أزمة الطاقة.
وأعلنت شركة "نيرستار" وقف تشغيل مصهر "بوديل" للزنك في هولندا بداية سبتمبر وحتى إشعار آخر بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.
وكانت شركة "غيلنكور"، أكبر منتجي الزنك في العالم، قد اطلقت تحذيرا من أن أزمة الطاقة في قارة أوروبا تمثل "تهديدا خطيرا" لإمدادات الزنك من القارة العجوز، بسبب صعوبة تشغيل المصانع بكامل طاقتها في ظل الارتفاع الكبير لأسعار الطاقة.
وينتج مصهر "بوديل" نحو 2 بالمئة من كافة إنتاج الزنك حول العالم.
كما أودت أزمة الطاقة في أوروبا بضحية أخرى في قطاع صناعة المعادن، حيث أعلنت مصنع "نورسك هايدرو" عن إغلاق مصهر" سلوفاكو" للألمنيوم في سلوفاكيا بنهاية الشهر المقبل.
وذكرت الشركة أن إغلاق المصهر جاء نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة، والتي قد لا تنخفض على المدى القريب.
وأوضحت الشركة أن استمرار عمليات الإنتاج بالمصهر لما بعد عام 2022 سينتج عنه خسائر كبيرة.