دخلت خطة الاتحاد الأوروبي لحظر استيراد الفحم الحجري من روسيا بشكل نهائي، حيز التنفيذ، وسط ضغوط لتوسع دائرة العقوبات لتشمل قطاع الطاقة الحيوي الروسي، وإجبار موسكو على إيقاف هجومها على أوكرانيا.
يأتي ذلك بعدما أمهلت دول الاتحاد، الشركات العاملة في الدول الـ27، أربعة أشهر لتعويض الفحم الروسي، بداية من أبريل الماضي، ليبدأ تطبيق القرار اعتبارًا من الشهر الجاري.
وفي يوليو الماضي، أعلنت وزارة التجارة البريطانية فرض حظر على واردات الفحم الروسي اعتبارًا من 10 أغسطس.
وتمتلك روسيا 15% من الاحتياطي العالمي للفحم حسب التقرير السنوي لشركة "بريتيش بتروليوم" حول الطاقة، وتشكّل إمدادات الفحم الروسي 45% من واردات الاتحاد الأوروبي مع اعتماد بعض الدول عليه بشكل خاص؛ مثل ألمانيا وبولندا اللتين تستخدمانه لإنتاج الكهرباء.
وفي خضم السعي لتطبيق قرار حظر الفحم الروسي، استوردت الدول الأوروبية 7.9 مليون طن متري من الفحم الحراري في يونيو الماضي، أي أكثر من الضعف على أساس سنوي، وفقًا لبيانات خدمات الشحن "برايمار".
ومع ذلك تشير بيانات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن الفحم لا يزال أكبر مصدر لتوليد الكهرباء في العالم حتى الآن، إذ يوفر نحو 38 في المائة من الحاجة العالمية للكهرباء، متفوقًا عن الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة.
وصدرت روسيا 238 مليون طن من الفحم في العام 2021، مع توجيه 90 مليون طن من هذا الحجم إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوروبية، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.
زيادة أسعار الكهرباء
ونقلت وكالة "تاس" الروسية، عن مديرة المركز الروسي لكفاءة الطاقة، إيكاترينا كفاشا، قولها إن الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على واردات الفحم الروسي، قد يؤدي إلى زيادة أسعار الكهرباء في أوروبا.
وأوضحت "كفاشا" أن الفحم يمثل حوالي 15 بالمئة من توليد الكهرباء في أوروبا، حيث تمثل روسيا نصف إجمالي الفحم الحراري المستورد.
وستلجأ أوروبا إلى أستراليا أو إندونيسيا، لتعويض غياب واردات الفحم الروسي، ولكن السعر سيكون أعلى بسبب الخدمات اللوجستية والزيادة العامة في سعر الفحم في الأسواق، وفق المسؤولة الروسية.
لكن جمعية مستوردي الفحم الألمانية لا تتوقع حدوث اختناقات في العرض بأوروبا على الرغم من الحظر، حيث يتوفر الفحم في السوق العالمية. وسيكون الموردون الرئيسيون في المستقبل هم الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا وأستراليا وإندونيسيا وكولومبيا.
وعن مصير الفحم الروسي، أشارت "كفاشا" إلى أنه يمكن إعادة توجيه تلك الكميات المتوقفة نتيجة الحظر إلى أسواق جنوب شرق آسيا والصين والهند.
ضغط.. وزيادات مرتقبة
وبشأن تأثير القرار على الداخل الأوروبي، قال مدير أبحاث الاقتصاد الكلي العالمي بالمعهد الوطني البريطاني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، كورادو ماكشياريلي، في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية، إن روسيا تستحوذ على 47 بالمئة من وارادات الوقود الصلب وعلى رأسها الفحم بشكل أساسي، في حين تستحوذ الولايات المتحدة على 18 بالمئة، و14 بالمئة لحساب أستراليا.
وأشار "ماكشياريلي"، إلى أن 4 دولة أوروبية تعتمد أكثر من غيرها على واردات الفحم الروسي، وعلى رأسها ألمانيا وبولندا وهولندا وإيطاليا، في حين يشتري الاتحاد وارداته من الفحم الروسي بنحو 4 مليارات يورو سنوياً.
وتخوف الخبير الاقتصادي من ارتفاع فواتير استهلاك الطاقة بالنسبة للمواطنين الأوروبيين، حال عدم وجود تدابير وقائية، بما يتسبب في زيادة الضغط على دخول المواطنين، فضلًا عن مساهمة الطلب المتزايد من دول الاتحاد في زيادة أسعار الفحم بالأسواق العالمية بصورة كبيرة.
وفي ألمانيا، فرضت الحكومة تدابير جديدة لتوفير الطاقة، بما في ذلك حظر تدفئة حمامات السباحة الخاصة في فصل الشتاء، وجعل المساحات غير المستخدمة في مباني المكاتب الكبيرة لتظل غير مدفأة، فضلا عن إطفاء الأنوار في مناطق الجذب السياحي، وخففت مدينة كولونيا إضاءة الشوارع بعد الساعة 11 مساءً، وأطفأت هانوفر الأنوار في المباني التاريخية والنافورات العامة.
وقررت برلين إعادة فتح مصانع الفحم المغلقة بدلاً من إغلاق المصانع المتبقية بحلول نهاية العقد، كما كان مخططًا مسبقًا.
ونقلت "فورين بوليسي" عن المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات "غاز فيستا" ليزلي بالتي، قولها إن العودة إلى الفحم أمر "لا مفر منه" وستظل "عاملاً" لتأمين أمن الطاقة.
عقاب لأوروبا
بدوره، يوضح الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن، طارق الرفاعي، تصريحات خاصة لـ"سكاي نيوز عربية"، أن مشكلة حظر الفحم الروسي هي ذاتها مشكلة حظر واردات الغاز، إذ أن الاتحاد الأوروبي وخاصة دول مثل ألمانيا وإيطاليا تعتمد بشكل أساسي على الفحم الروسي.
وقال: "إذا استمرت تلك السياسة فمن أين سيأتي الفحم البديل مع ارتفاع الأسعار، وهذا عليه علامة استفهام بالنظر إلى كون الصين أكبر مستهلك في العالم للفحم بنحو 60 بالمئة من الإنتاج العالمي، ثم الهند ثم الدول الأوروبية، وكون روسيا من أكبر منتجي الفحم حول العالم".
واعتبر "الرفاعي" أن كل هذه السياسات تأتي لمحاولة عقاب روسيا، لكنها لن تنجح لأن رد الفعل سيكون مؤثرًا بشكل مباشر على الاقتصاد الأوروبي أكثر من الروسي، وسيتحمل المواطن الأوروبي دفع هذه الفاتورة.