في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد العالمي من ضغوطات عديدة سواء باستمرار التوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا، أو عدم قدرة الاقتصاد العالمي على استئناف نشاطه كما كان قبل جائحة كورونا، جاء تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان، ليضع اقتصاد العالم تحت مقصلة صناعة أشباه الموصلات التي تتربع تايوان على عرشها.
ويرى خبراء اقتصاد أن توترات تايوان زادت من مخاوف اضطراب حركة الملاحة في مضيق تايوان، الذي يعتبر واحداً من أهم الممرات المائية في العالم، ما يعني أن أي اضطرابات في تلك المنطقة قد يدفع إلى استمرار كسر سلاسل التوريد وبالتالي نقص المعروض بشكل قوي على الصعيد العالمي.
وأوضح الخبراء أن المشكلة الأساسية تكمن في سيطرة منطقة جنوب شرق آسيا، وتحديداً تايوان، على واحدة من أهم صناعات العصر الحديث، ألا وهي صناعة الرقائق الإلكترونية، مشيرين إلى أنه لا يمكن تخيل الحياة اليومية والتقدم التكنولوجي المستقبلي دون هذه الرقائق وأشباه الموصلات.
وتُعرف أشباه الموصلات بأنها مواد صلبة بلورية تمتلك قدرة متوسطة على توصيل الكهرباء، بحيث لا توصل الكهرباء بكفاءة المواد الموصلة لكنها ليست أيضاً من المواد العازلة، وتمتاز بكفاءتها في مجال الطاقة، وتستخدم على نطاق واسع في صناعة الأجهزة الإلكترونية وكل ما يتعلق بحياة البشر من أجهزة الكمبيوتر إلى الأجهزة الطبية والمنزلية والألعاب والسيارات وحتى الصناعات العسكرية.
ويوضح محلل الأسواق العالمية، رائد الخضر، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن صناعة الرقائق الإلكترونية، عانت في وقت سابق ضغوطات عدة تتلخص في توقف حركة الإنتاج مع تفشي وباء كوفيد-19 عام 2020 حيث استمرت الإغلاقات لمدة عامين، كما تسبب الوباء في كسر سلاسل التوريد وارتفاع تكلفة الشحن عشرة أضعاف على أساس سنوي، في الوقت الذي ارتفع فيه الطلب على تلك الرقائق بسبب العمل من المنزل، الذي أدى لزيادة الطلب على الأجهزة الإلكترونية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن التوترات بين واشنطن وبكين رفعت منسوب الخوف من تعثر حركة الملاحة في مضيق تايوان، الذي يمر منه ما يقرب من نصف حاويات العالم، ونحو 88 بالمئة من أكبر سفن العالم، بحسب الخضر، الذي أشار إلى تراجع مؤشر تايوان للشحن والنقل بنسبة 3.2 بالمئة بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي إلى تايوان الأسبوع الماضي، حيث كان أسوأ المؤشرات أداء بين بقية المؤشرات في منطقة آسيا.
ويضيف الخضر: "على الجانب الأخر، فإن أحد أهم تحديات الاقتصاد العالمي في الفترة المقبلة سيطرة تايوان على صناعة الرقائق الالكترونية، حيث تتربع شركة TSMC التايوانية، المصنعة لرقائق شركة Apple الأميركية، على عرش أكبر منتجي الرقائق الإلكترونية في العالم، إذ بلغت إيراداتها خلال العام الماضي 57 مليار دولار، وهذه الشركة تسيطر وحدها على 54 بالمئة من تلك الصناعة على الصعيد العالمي وبالتالي بعد التوترات الأخيرة بين أكبر اقتصادين في العالم، زادت المخاوف حيال تلك الصناعة مستقبلاً".
وعلى الرغم من محاولات الولايات المتحدة الأميركية منذ تفشي الوباء تقليل اعتمادها على تايوان في الرقائق الالكترونية، إلا أنه حتى وقتنا هذا يبدو أن تصاعد التوترات بين الطرفين قد يتسبب في نقص جديد للمعروض من تلك الرقائق، وبالتالي قد نرى ارتفاعاً في أسعار الأجهزة الإلكترونية، وفقاً للخضر.
بدوره، بدأ الخبير الاقتصادي علي الحمودي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بطرح سؤال مفاده.. هل يمكنك تخيل حياتك دون الهواتف الذكية أو الكمبيوتر أو الإنترنت أو التلفزيون؟ ليجيب بنفسه.. بالتأكيد - لا!
ويشرح الحمودي أن أشباه الموصلات توجد في جميع الأجهزة الإلكترونية الحديثة تقريباً وفي كل مكان حولنا، ودون أشباه الموصلات، ستكون حياتنا مختلفة كثيراً، حيث يتم تصنيع الأجهزة الإلكترونية باستخدام بعض أجهزة أشباه الموصلات، ويوماً بعد يوم يزداد الطلب على أشباه الموصلات التكنولوجية وفقاً لمتطلبات الصناعة حيث يتم اكتشاف العديد من الأجهزة الجديدة في الوقت الحاضر بمساعدة مواد أشباه الموصلات".
ويضيف الحمودي: "تتيح خصائص مواد أشباه الموصلات العديد من العجائب التكنولوجية بما في ذلك الترانزستورات والرقائق الدقيقة والخلايا الشمسية وشاشات LED، و باستخدام المعالج الدقيق يمكننا التحكم في تشغيل السيارة والقطارات والمركبات الفضائية، يتكون المعالج الدقيق من العديد من أجهزة الترانزستور أو مُقاوِمُ النَقْل وأجهزة التحكم الأخرى التي تتكون من مادة أشباه الموصلات، هذا هو السبب في أن حياتنا اليومية والتقدم التكنولوجي المستقبلي لا يمكن تخيله دون أشباه الموصلات".