يستمر الدولار الأميركي في "استعراض عضلاته" أمام جميع العملات المنافسة، حيث سجّل الأسبوع الماضي أعلى مستوياته منذ 2002، بعدما تجاوز حاجز الـ109 نقاط لفترة وجيزة، ليتراجع قليلاً هذا الأسبوع إلى نحو 106 نقطة.

وبدأ الدولار الأميركي رحلة الصعود السريع منذ بداية عام 2022، وتشير التوقعات إلى أنه سيصبح أكثر قوة خلال العام الحالي، حيث أن رفع أسعار الفائدة الأميركية كما هو متوقع في الفترة المقبلة بهدف كبح التضخم، سيجذب رؤوس الأموال من بقية العالم إلى أميركا ويمنح الدولار تفوقاً على معظم العملات.

صحيح أن رفع الفائدة سيقود تلقائيا إلى كبح معدل التضخم الأميركي، لكن هذه الخطوة لا تخلو من المخاطر حيث ستجعل من الدولار أقوى ويعني هذا الأمر تراجع القدرة التنافسية للولايات المتحدة وتوسيع فجوة العجز التجاري.

وستأتي قوة الدولار بنتائج عكسية على الشركات الأميركية الكبيرة، وستساهم بتقليل قيمة مبيعاتها وحجم أرباحها الدولية، حيث ستصبح منتجاتها أغلى، مقارنة بمنتجات الشركات غير الأميركية، لأن الدولار القوي يعني ارتفاع تكلفة الإنتاج بالنسبة للشركات الأميركية.

ومن مخاطر الدولار القوي على الاقتصاد العالمي، أنه يتسبب بتدفق رؤوس الأموال إلى خارج الأسواق الناشئة، ولاسيما تلك التي تعتمد على التمويل الخارجي، إذ ثبت تاريخياً أنه في كل مرة يصبح فيها الدولار قوياً، وتعود فيها الدولارات إلى الولايات المتحدة، يتضرر الاقتصاد العالمي وتبدأ دورة انكماش اقتصادي.

كما تعد المخاطر كبيرة بشكل خاص على الدول النامية التي تواجه بالفعل أزمات اقتصادية حادة وسط استمرار تراكم ديونها الدولارية وصعوبة سدادها، حيث استدانت هذه الدول بكثافة خلال انتشار جائحة كورونا، أي خلال 2020 و2021، كما أرجأت تسديد أقساط ديونها المتراكمة على أمل أن يعود الاقتصاد العالمي للنمو في العام الجاري، لكنّ ما حدث هو أنّها فوجئت بكارثة حرب روسيا وأوكرانيا وتداعيات ذلك على الاقتصاد العالمي.

ولم تكن كل هذه الضوضاء لتحصل لو أن عملة أخرى غير الدولار الأميركي هي التي تشهد هذا الصعود، فالدولار له مكانة خاصة في التجارة العالمية، إذ أن 40 في المئة من الصفقات التجارية في العالم تتم من خلال عملة "العم سام"، مما يعني أن الكلفة سترتفع في العديد من دول العالم.

كما أن العديد من عملات الدول ترتبط بالدولار بشكل رئيسي وهذا يعرضها للضغط، فأي ارتفاع للدولار سيترتب عليه إجراء مماثل في سعر عملاتها.

أخبار ذات صلة

اليورو يستقر قرب أعلى مستوياته في أسبوعين أمام الدولار
هل يرفع "المركزي الأوروبي" معدل الفائدة بنصف نقطة مئوية؟

وتشير توقعات المحللين إلى أن الفائدة الأميركية ستستمر بالارتفاع خلال 2022، مما يعني أن قوة الدولار ستزداد، وهو ما يطرح التساؤل التالي: "هل أصبح الدولار أقوى من اللازم؟" خصوصاً في الوضع الحالي للاقتصاد العالمي؟

ويرى المصرفي النائب السابق لحاكم مصرف لبنان د. محمد البعاصيري، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه من الصعب القول إن الدولار أقوى من اللازم ومقيّم أكثر من قيمته، لأن العملة هي مرآة تعكس قوة أو ضعف الاقتصاد.

وقال إن الحالة التضخمية شكلت خطراً على الاقتصاد الأميركي والعالمي، حيث أن الوسيلة الأنجع لمكافحتها تتمثل برفع أسعار الفائدة الأميركية، مما يؤدي حتما إلى رفع سعر الدولار مقابل العملات الأجنبية الأخرى، لأن الدول الأخرى لم ترفع الفائدة بالنسب نفسها كما في الولايات المتحدة.

ولفت البعاصيري الى وجود أسباب أخرى تقف وراء صعود الدولار مقابل العملات الأجنبية وتحديداً اليورو، إذ أن أوروبا تقع في عين عاصفة الحرب الروسية الأوكرانية مما يعني زيادة التضخم والغلاء، وهذا ينعكس سلباً على اقتصاداتها أكثر بكثير من الاقتصاد الأميركي، وبالتالي فإن العملة التي تعتبر مرآة الاقتصاد، تقوم باللحاق بالخوف الأمني والعسكري والاقتصادي وهو ما يشكّل عاملاً أهم من رفع الفوائد.

وتوقع أن يبقى الدولار الأميركي أقوى من اليورو أقله في المدى المتوسط، مع استمرار الأزمة الأوكرانية والعقوبات الأميركية على روسيا، ومع بقاء مشكلة الغاز والبترول التي تعاني منها أوروبا وحتى لو تساوت نسب زيادة الفائدة بين أميركا وأوروبا.

واعتبر البعاصيري أن الحل لما يحدث يبقى سياسياً، ويتبعه استقرار اقتصادي يعيد التوازن إلى العملات الأجنبية.