تشير التوقعات الدولية إلى استمرار ارتفاع التضخم حول العالم مدفوعا بالأزمة في أوكرانيا، والارتباك الذي تشهده سلاسل الإمداد، ناهيك عن اضطرابات أسعار النفط والنقل، وعدم تعافي الاقتصاد العالمي من آثار جائحة كورونا.
رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أسعار الفائدة، بمقدار 75 نقطة أساس، بنسبة تعتبر الأعلى منذ 28 عاما، لإبطاء الاقتصاد ومواجهة التضخم الذي وصل لمستويات قياسية مؤخرا.
وارتفع التضخم في الولايات المتحدة إلى 8.6 بالمئة خلال مايو الماضي، بحسب مؤشر أسعار المستهلك الذي أصدرته وزارة العمل مؤخرا.
لحقت بنوك مركزية في دول عربية بقرار الاحتياطي الفيدرالي، برفع أسعار الفائدة في خطوة تحقق الاستقرار النقدي، والتي قد تساعد في كبح التضخم محليا.
محللون اقتصاديون تحدثوا لـ "سكاي نيوز عربية"، حددوا حزمة من الإجراءات التي تمتلكها دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تساهم في مواجهة ارتفاع أسعار الخدمات والسلع.
المحلل الاقتصادي، وجدي مخامرة، حدد مجموعة من الإجراءات، مشيرا إلى أن "أفضل طريقة لمواجهة التضخم تكمن في أدوات السياسية النقدية برفع أسعار الفائدة، وتقليل السيولة المتاحة في الأسواق".
وأوضح في رد على استفسارات "سكاي نيوز عربية" أنه "يوجد هناك تباين ما بين الدول العربية في التعامل مع هذا الملف".
الخبير الاقتصادي، وائل نحاس، يرى أن الدول العربية "تريد معالجة التضخم بطريقة خاطئة، إذ أنها تحاول تقليد الولايات المتحدة بقرارات رفع أسعار الفائدة، وهي قد تحقق الاستقرار النقدي، ولكن هذا لا يعني أن هذه القرارات ستساهم في مواجهة التضخم".
ودعا نحاس في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" الدول العربية إلى اتخاذ "ما يناسب اقتصادها في مواجهة التضخم، وليس الاعتماد على وصفات جاهزة من المؤسسات الدولية".
يشير متوسط تنبؤات المحللين بحسب البنك الدولي إلى أن معدل التضخم العالمي سيظل مرتفعا في عام 2022، مع تعطُل سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار الأغذية ومنتجات الطاقة.
الدول غير النفطية
ويشير المحلل مخامرة إلى أن النظريات الاقتصادية تؤكد أن بعض الدول "يمكنها زيادة الإنتاج في مختلف القطاعات، بحيث تزيد العرض من بعض السلع والخدمات في الأسواق المحلية بما يعني تخفيض حدة الأسعار".
أضاف أن الدول غير النفطية أو تلك التي تعاني من أزمات مالية، ستكون في مواجهة مع أوقات صعبة، إذ أنها أمام معادلة صعبة لكبح ارتفاع الأسعار خاصة للمواد المستوردة، فلن تستطيع حكومات هذه الدول تحمل تقديم الدعم المباشر للمواطنين، ولكنها قد تحتاج إلى خفض ضريبة المبيعات.
خفض البنك الدولي توقعاته للنمو العالمي خلال 2022 محذرا من مخاطر حصول "ركود تضخمي" أي "فترة طويلة من النمو الضعيف والتضخم المرتفع" خصوصا في الدول متدنية الدخل.
وأضاف البنك في تقرير حول الآفاق الاقتصادية العالمية أن "الاقتصاد العالمي سيشهد أقوى تباطؤ يأتي بعد انتعاش منذ أكثر من ثمانين عاما. وينتج عن ذلك خطر متعاظم بحصول ركود تضخمي".
وأتى هذا التباطؤ إثر انتعاش اقتصادي متين العام الماضي بنسبة 5.7 بالمئة بعد ركود عميق تسببت به جائحة كورونا.
ويقول الخبير نحاس إن الدول المستوردة للنفط عليها البحث عن "بدائل محلية للسلع والبضائع المستوردة، وإعادة توجيه الاستثمارات لقطاعات منتجة تقلل من الاعتماد على الخارج"، مشيرا إلى أن مثل هذه الإجراءات ربما لن يكون أثرها مباشرا ولكنها ستؤثر على المدى البعيد.
الدول النفطية
رفع البنك الدولي توقعات النمو لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليصل إلى 5.3 بالمئة إذ ستستفيد هذه الدول من ارتفاع أسعار النفط.
وذكر مخامرة أن الدول الغنية خاصة المنتجة للنفط يمكنها مواجهة زيادة أسعار السلع والخدمات من خلال تقديم إما تقديم "الدعم المباشر" لأسعار السلع والخدمات أو تقديم الدعم للمواطن، أو توجيه القطاع العام والخاص بزيادة "الرواتب" بما يناسب معدلات التضخم.
ويؤكد الخبير نحاس أن أزمة التضخم التي يواجهها العالم "فرصة خاصة للدول العربية النفطية، إذ أنها يمكنها الاستفادة من زيادة الإيرادات، واستثمار هذه الوفورات في إنتاج السلع المختلفة داخل دول عربية أخرى، بما قد يحقق نوعا من الشراكات العربية".
ودعا إلى ضرورة إيجاد "مظلة اقتصادية للدول العربية" ووضع آليات للشراكة والتكامل الاقتصادي القائم على المنفعة للجميع.
ويحذر البنك الدولي من أن الغزو الروسي لأوكرانيا يعزز تباطؤ الاقتصاد العالمي، متخوفا من "تعاظم" خطر حصول ركود تضخمي سيكون له "تداعيات ضارة" على الدول المتدنية والمتوسطة الدخل.
ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تستمر وتيرة النمو هذه حتى 2023-2024 إذ أن الحرب في أوكرانيا تؤثر سلبا على الاقتصاد والاستثمار والتجارة على المدى القصير. ويضاف ذلك إلى تراجع الطلب والرفع التدريجي لإجراءات الدعم الحكومية.
وأضاف البنك أنه "بسبب الأضرار الناجمة عن الجائحة والحرب معا سيكون مستوى دخل الفرد في الدول النامية أقل بحوالي 5 بالمئة عن المعدل الذي كان متوقعا قبل كورونا".
وقيم خبراء الاقتصاد خصوصا كيف يمكن للركود التضخمي أن يؤثر على الاقتصادات الناشئة والنامية.
وأشاروا إلى أن الوضع الحالي يتشارك أزمة السبعينيات بثلاث نقاط هي "اضطرابات متواصلة للعرض ما يغذي التضخم سبقتها فترة طويلة من سياسة نقدية مريحة جدا في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية وتوقعات بحصول تباطؤ في النمو واقتصادات ناشئة ونامية ضعيفة أمام ضرورة تشديد السياسات النقدية للسيطرة على التضخم".
لكن ثمة فروقات رئيسية إذ أن الدولار قوي في حين أنه كان ضعيفا جدا في السبعينيات. يضاف إلى ذلك أن حجم ارتفاع أسعار السلع الاساسية أكثر اعتدالا فيما نتائج المؤسسات المالية الرئيسية "متينة عموما".
وذكر الخبراء أن "الأهم هو أن المصارف المركزية في الاقتصادات المتقدمة والكثير من تلك النامية خلافا للسبعينيات، بات لديها تفويض واضح من أجل تحقيق استقرار الأسعار".
وحذر البنك الدولي من أنه "في حال بقي التضخم مرتفعا قد يؤدي تكرار الحلول المعتمدة في المرحلة السابقة من الركود التضخمي إلى ركود عالمي قوي فضلا عن أزمات مالية في بعض الاقتصادات الناشئة والنامية".