يدير محمد عابدين، الذي عمل مدربا للجمباز في وقت سابق، متجرا صغيرا في شمال لبنان يقدم علاجا رخيصا يعتمد على الأعشاب لزبائن أنهكهم النقص المزمن في الأدوية وارتفاع أسعارها.
وترجع تلك الممارسات إلى آلاف السنين وتعرف باسم الطب البديل أو طب الأعشاب الذي يعتمد على وصفات تُمزج فيها الأعشاب والبهارات والزيوت الطبيعية ويحصل عليها المرضى في محاولة لعلاج أمراض من بينها البرد والكحة وآلام المعدة.
وينتمي عابدين إلى أسرة من العطارين في مدينة طرابلس الساحلية بشمال لبنان. وبعد انهيار اقتصادي استمر قرابة ثلاثة أعوام زاد الطلب على منتجاته.
وقال عابدين الذي يبلغ من العمر 53 عاما "الناس لما غلت الأسعار عليها والدواء وكذا، صارت تلجأ لهذا الطب".
وطبقا لتقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في ديسمبر 2021 فقدت العملة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها منذ عام 2019 في حين زادت أسعار الأدوية إلى أربعة أمثالها.
وفي سبتمبر، حذرت الأمم المتحدة من أن الرعاية الصحية أصبحت بعيدة المنال بالنسبة لنحو 33 بالمئة من الأسر في لبنان. وعجز أكثر من نصف هؤلاء عن الحصول على الأدوية، إما لأنها باهظة الثمن أو لم تعد متوفرة في الصيدليات.
وبعد صدور هذا التحذير بأسابيع، رفعت الحكومة التي تعاني من نقص شديد في التمويل الدعم عن معظم الأدوية، ومنها التي تعالج الأمراض المزمنة مثل السرطان، مما تسبب في زيادات جديدة في الأسعار.
وبشكل خاص، تضررت طرابلس بشدة من الانهيار المالي في لبنان لأن الأمم المتحدة تصنفها أفقر مدينة على البحر المتوسط حتى قبل بدء الأزمة.
ليست بديلا
وقال عابدين إن زبائنه يأتون إليه بعد أن أعيتهم طلبات الأطباء والمستشفيات "بدك دواء التهابات، بدك كشف دم، اعمل لي فحص، اعمل لي... بيهلكوا، بيهلكوا".
وأضاف أنه لذلك يقدم لهم بدائل مثل زوبع وهو عشب لبناني مثل الزعتر يضاف إلى الشاي لتخفيف التهاب الحلق.
وقال العطار عمر الرافعي إن الناس يتجهون إلى الأدوية المستمدة من النباتات حتى للأمراض الأكثر خطورة.
وقال الرافعي "هي الأدوية صارت غالية كتير. يعني مثلا دواء السكري يمكن حقه هيك شي مليون أو مليون ومئتين ألف" أي قرابة مثلي الحد الأدنى للأجور في البلاد وهو حوالي 600 ألف ليرة.
وقال المعالج بالأعشاب الذي يبلغ من العمر 48 عاما "بيقدر يشتري شي عشبة من عندنا بخمسين ألف خلينا نقول".
وقال وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض محذرا من المخاطر إن وزارة الصحة تعرف أن هناك مرضى بالسرطان يتناولون أدوية الأعشاب لأن علاجهم لم يعد متاحا.
وقال لرويترز "هذا مقلق. هذا ليس بديلا، وكثير من الناس لا يفهمون هذا".
وفي حين تخضع الأدوية لاختبارات صارمة لتحديد فعاليتها وآثارها الجانبية المحتملة، لا توجد معايير للعلاج بالأعشاب.
وقال الأبيض إن عدم وجود معمل مركزي في لبنان يقوم بالاختبارات الخاصة به ويصدر اللوائح يترك الباب مفتوحا أمام إساءة الاستعمال على نطاق واسع "لمواد لم تخضع للفحص" مثل العلاجات المعتمدة على النباتات.
وقال جو سلوم نقيب الصيادلة في لبنان، إن الاستخدام العرضي للأعشاب يمكن أن يوفر بعض الراحة لكن الجرعات غير المنظمة قد تشكل مخاطر صحية.
وقال سلوم "إمتى بتصير خطرة؟ لما نكون عم نستعملها بشكل مركز وحدا عم يضبها (يضعها) بكابسولات، وبالتالي عم يستعملها بطريقة خاطئة".
قال عمر العلي، وهو صيدلاني في طرابلس، إن زبائنه يشترون الحبوب بالشريط لأنهم لم يعودوا يستطيعون شراء العبوة كاملة ويطلب كثير منهم أدوية الأعشاب.
وقال العلي "من قبل الناس بتروح عليها، بس كانت قليلة، اليوم شوي الاتجاه أكثر للهروب من المبالغ الطائلة للدواء".
وحتى متاجر العطارة لم تسلم من زيادات الأسعار.
بعد الحصول على الإمدادات من دول مثل الهند والصين اضطر الكثيرون إلى خفض وارداتهم من الخارج لأنها مسعرة بالدولار الأقوى كثيرا الآن من الليرة اللبنانية.
وقال العطار كمال الشهال "بنقتصر على الأشياء المطلوبة وما عدنا عم نتوسع مثل قبل".