سادت حالة من التفاؤل في الأسواق العراقية، بعد تصويت البرلمان على قانون "الأمن الغذائي"، في ظل الركود الذي اجتاحها منذ عدة أشهر، على وقع الخلافات السياسية، وغياب الموازنة المالية للعام 2022.
وتمكن البرلمان العراقي، الأربعاء، من إقرار قانون "الأمن الغذائي"، بعد سجالات استمرت عدة أشهر، حيث كانت قوى "الإطار التنسيقي" ترفض هذا القانون، لكنها رضخت أخيراً، كما أنها ضمنت بعض المستحقات لأنصارها ضمن هذا القانون، الذي جاء بدعم من تحالف "إنقاذ الوطن" بزعامة مقتدى الصدر.
وجاء هذا القانون لمواجهة المشكلات التي نجمت عن غياب الموازنة المالية للعام 2022، بسبب عدم تشكيل الحكومة، خاصة وأن عدة قطاعات بحاجة إلى تمويل، مثل الطاقة الكهربائية، وضخ المزيد من الوظائف في الجهاز الإداري للدولة، بالإضافة إلى مرتبات الحماية الاجتماعية، وتوفير الحنطة وتعزيز الخزين الاستراتيجي، حيث تضمن هذا القانون تخصيص مبالغ محددة لكل فئة.
وبحسب وزير المالية العراقي علي علاوي، فإن المبلغ الإجمالي للقانون يبلغ 26 تريليون دينار (أكثر من 17 مليار دولار).
وتعول قطاعات عديدة على تلك السيولة المالية، في تسيير أعمالها، مثل المقاولات، والمشاريع المتلكئة، فضلاً عن التعاقدات الجديدة، مع الشركات الصغيرة، التي ستُحرك الأسواق، وتدفع بالمزيد من العمالة لإنجاز أعمالها.
وتنوعت القطاعات التي تلقت تلك التدفقات النقدية، مثل الزراعة، والصناعة، وقطاع الطاقة الكهربائية، فضلاً عن استحداث آلاف العقود الجديدة، مع خريجي الكليات، بهدف ضمان مورد مالي لهم.
وعلى رغم أن تلك الوفرة المالية، تمثل أنباءً سارّة، إلا أن اقتصاديين ومراقبين حذروا من التضخم، في ظل التوقعات بتصاعد القوة الشرائية، الناتجة عن وجود تلك الأموال، وهو ما يستدعي تدخلاً حكومياً في كبح جمال الأسعار، ومراقبة التجار.
في هذا السياق، يرى المحلل الاقتصادي، سرمد الشمري، أن "ضخ تلك الأموال في السوق العراقية، وإن كان باتجاه القطاعات الحكومية، سينعكس إيجاباً على مجمل السوق الذي عاش كساداً رهيباً خلال الفترة الماضية، بسبب تأخر إقرار الموازنة المالية، حيث ستحرك تلك الأموال الأعمال الصغيرة، كما أنها ستحسن الطاقة الكهربائية، وتدعم المزارعين والفلاحين، ما سيسهم في تحريك الصناعة المحلية، ودفع المستحقات المتأخرة لشراء الحبوب مثل الحنطة والشعير".
وأضاف الشمري في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" أن "الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل أساس على الإجراءات الحكومية، فهو ينتظر سنوياً إقرار الموازنة المالية، وشهرياً ينتظر توزيع مرتبات الموظفين، وهذا نقطة سلبية، يعاني منها العراق، لكن المحاولات الأخيرة، التي قامت بها الحكومة، مثل تنويع الاقتصاد، وتنشيط السياحة، وتعزيز الموارد الآتية من المنافذ، سيكون له مردود إيجابي على المدى الطويل".
وعلى رغم الوفرة المالية التي يحققها العراق من جراء مبيعات النفط، لكن التحذيرات تصاعدت مؤخرا من حالة تقشف قد تشهدها البلاد، في حال عدم إقرار هذا القانون، الذي جاء بعد خلافات سياسية حادة.
ويجني العراق شهريا مبالغ ضخمة من مبيعات النفط، إذ حقق أكثر من 11 مليار دولار في مايو الماضي، بينما بلغت عائدات أبريل أكثر من 10 مليارات دولار.
إلا أن غياب الحكومة التي يسمح لها بالتصرف الكامل بتلك الأموال، يمثل عائقا أمام الاستثمار الأمثل لعائدات النفط واستغلالها في القطاعات والمشاريع المهمة للمواطنين.
وتسببت الخلافات بين الكتل السياسية منذ إجراء الانتخابات النيابية في العاشر من أكتوبر الماضي، في الحيلولة دون تشكيل حكومة جديدة، بينما تمنع القوانين العراقية الحكومة الحالية من التصرف بتلك الأموال باعتبارها "حكومة تصريف أعمال"، ما دفع البرلمان للتصويت على هذا القانون، كمخرج طوارئ.
وخصص القانون 4 تريليونات دينار (نحو مليارين و700 مليون دولار) لتسديد المديونية الخارجية للطاقة الكهربائية، مع تريليون دينار لوزارة العمل، بهدف شمول فئات جديدة بالحماية الاجتماعية، وتريليون دينار للمحاضرين، والعقود، والأجور والشهادات العليا والخريجين من الأوائل، فضلاً عن 900 مليار دينار إلى وزارة الزراعة لدعم الأسمدة ومكافحة التصحر وتسديد مستحقات سابقة، وأبواب إنفاق أخرى.
وعطل الانسداد السياسي تقديم مشاريع القوانين إلى البرلمان لتشريعها، ومنها قانون الموازنة العامة للعام الجاري الذي يرتبط بالعديد من المشروعات الاقتصادية والتنموية بتمويل الحكومة من الموازنة السنوية، يضاف إلى ذلك التأثيرات السلبية الواسعة على حياة المواطنين.