تصنف الجزائر من البلدان الغنية بأنواع الطاقة سواء الأحفورية (التقليدية) أو المتجددة، بالمقابل تسعى معتمدة على ما تزخر به من إمكانيات طبيعية بغية تجسيد "انتقال طاقي" يحقق لها مكانة في مجالات الطاقة المستدامة.
ومع الذكرى الـ60 لعيد الاستقلال (5 يوليو)، تستمر الجزائر في تعزيز قفزتها نحو "الانتقال الطاقي" بالاعتماد على مقدراتها الطبيعية الهائلة على غرار طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين كمصدر للنمو الاقتصادي في ظل الطلب المتزايد على الطاقة والوصول لإنتاج 15.000 ميغاواط في آفاق 2035.
تجربة "الطاقة الشمسية"
ولتجسيد تجربة التحول نحو الطاقة النظيفة، تولي الجزائر أهمية كبيرة لإنجاح مشروع "سولار 1000 ميغاواط" لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية الكهروضوئية في خمس ولايات جنوبية، يقول خبراء إنه يصعب توصيل الطاقة فيها بسبب مساحتها الشاسعة قبل أن تعمم على ولايات أخرى، ويهدف المشروع لإنتاج 2200 غيغاوات ساعي من الكهرباء في السنة خلال المرحلة الأولى.
ومن المنتظر أن يعود هذا الرهان بمناصب العمل التي تصل إلى 5000 فرصة عمل مباشرة وفق تصريح لوزير الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، كما سيسمح بزيادة حصة الطاقات النظيفة في مزيج الطاقة للبلاد.
وفي الجهة المقابلة، يحمل هذا التحدي الطاقي الاستراتيجي عدة مكاسب اقتصادية واجتماعية وبيئية قصد تنويع مصادر الطاقة والاستغناء تدريجيا عن مصادر الطاقة الأحفورية والاحتفاظ بها للأجيال القادمة.
خبير دولي يشرح الرهان
يرى الخبير الدولي في الانتقال الطاقوي، محمد غزلي، أن مصادر الطاقة المتجددة تُعد "جزءا أساسيًا من استراتيجية شاملة للتنمية المستدامة"، مما يضمن "الإمداد المستدام وحماية المناخ".
وفي اتصال مع "موقع سكاي نيوز عربية" أوضح غزلي الذي يحمل خبرة واسعة في ميدان تسريع الطاقات البديلة في ألمانيا أنه "يمكن لمصادر الطاقة المتجددة أن تساعد في تحسين القدرة التنافسية للصناعات على المدى الطويل ولها تأثير إيجابي على التنمية والتوظيف".
وبخصوص الهدف النهائي للتحول الطاقي المنشود، أرجع الخبير ذلك إلى "إزالة الكربون من أنظمة الطاقة العالمية من أجل تحقيق صاف للانبعاثات والحدّ من زيادة درجة الحرارة العالمية بما لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي".
وفي ما تعلق باستراتيجية الجزائر وتجربتها الفريدة في المنطقة بخصوص مشاريع الانتقال نحو "الطاقات البديلة"، رافع غزلي على "تحول هيكلي لا يتعلق بنشر وتركيب مصادر الطاقة المتجددة، بل يتعلق بحفظ الطاقة ودمج كفاءتها وترك الوقود الأحفوري في الأرض".
وتابع الخبير الدولي قائلا: "نحن بحاجة إلى دمج مصادر الطاقة المتجددة في جميع المجالات الاقتصادية لمختلف القطاعات وهي التي تتمثل في إحدى طرق تسريع التنمية في تحديد امتصاص الطاقة المتجددة كمؤشر أداء رئيسي لاستعارة مقولة (ما يتم قياسه يتم إنجازه) أي من خلال قياس أدائنا يمكننا سد الفجوة بين الطموح والهدف".
وفي السياق، أكد المتحدث على أن رهان الطاقات المتجددة يحتاج أيضا إلى "حوار متعدد القطاعات"، مبرزا أهمية "تبادل الخبرات" مع الشركاء الأجانب خاصة في التكنولوجيات الطاقية الجديدة.
ويرافع الخبير الجزائري غزلي على مسألة التسريع في الانتقال نحو الطاقات المتجددة نظرا إلى ثلاث نقاط وهي "النمو الديمغرافي المتزايد في الجزائر ما يستدعي الطلب المتزايد على استهلاك الطاقة، إضافة إلى الواقع جيوسياسي وما تفرضه النزاعات اليوم من صراع دولي على الطاقة".
والنقطة الثالثة بحسبه "الأزمة الوبائية لكورونا التي كان لديها تأثير سلبي على أسواق الطاقة التقليدية من النفط والغاز من ناحية تراجع الطلب عليها وبالتالي انخفاض أسعارها".
ويحوز غزلي تجربة ثرية في هذا الميدان، بحيث ساهم في عدة مشاريع للانتقال نحو الطاقات المتجددة بعدة دول أوروبية، وقد أكد خلال حديثه أنه "دائما تحت تصرف وطنه مثل كل الإطارات الجزائرية الموجودة عبر العالم من أجل نقل تجربتهم إلى الجزائر".
انتقال تدريجي للطاقة
كما تراهن الجزائر على "انتقال تدريجي للطاقة" من خلال تنويع مصادر الطاقة الرئيسية الحالية ودمج طاقات البصمة الكربونية المنخفضة في مزيج الطاقة مثل الطاقات المتجددة والكهرباء والهيدروجين.
في هذا الشأن، أكد وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، خلال مشاركته، الجمعة، في سورينتو الإيطالية، في أعمال المنتدى الدولي حول "التطلع نحو الجنوب: استراتيجية أوروبا لجيوسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية جديدة في منطقة البحر الأبيض المتوسط"، على إعداد استراتيجية وطنية لتطوير الهيدروجين.
وقد كلفت الحكومة الجزائرية وزارة الطاقة والمناجم من أجل صياغة "استراتيجية وطنية لتطوير الهيدروجين" عبر لجنة وزارية مشتركة متكونة من قطاعات وزارية متعددة، إضافة إلى محافظة الطاقات المتجددة والفعالية الطاقية.
وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر المهتمة بتعزيز انتقالها الطاقي نحو الطاقة المستدامة، تصنف في صدارة دول "أوابك" (منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط) في ما تعلَّق باستكشافات الغاز والنفط خلال 2022، وتعود نسبة كبيرة من إيراداتها من صادرات النفط والغاز الطبيعي.
وتعمل الحكومة الجزائرية وفق خطة وخريطة طريق اقتصادية من أجل تنويع مصادر الدخل للخروج من التبعية للمحروقات.