جاءت الأزمة الأوكرانية وما نجم عنها من تداعيات سلبية على العالم، لتصعّب من مهمة تعافي الاقتصاد الصيني بعد الضربة التي وجهها تفشي فيروس كورونا، وليجد ثاني أكبر اقتصاد في العالم نفسه أمام امتحان صعب.
ورغم نموه بوتيرة أسرع من المتوقع في الربع الأول من العام الحالي محققا زيادة 4.8 في المئة على أساس سنوي، لكن خطر حدوث تباطؤ حاد خلال الأشهر المقبلة مرتفع مع تسبب قيود كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا بخسائر فادحة، خاصة وأنه سجلت خلال الأسابيع القليلة الماضية زيادة مقلقة في وتيرة الإصابات بالفيروس التاجي.
وأدى انتشار فيروس كورونا مجددا في الصين لفرض إجراءات إغلاق في كثير من المدن، بحيث يلتزم المسؤولون سياسة "صفر كوفيد" للقضاء على أي بؤرة عند ظهورها.
وأجبر هذا الوضع المصانع على وقف عملياتها، مثل شركات صناعة السيارات التي حذرت من تعطل حركة الإنتاج، إضافة الى إعلان موانئ رئيسية في مدينة شنغهاي وهي بمثابة العاصمة الاقتصادية للصين عجزها عن العمل بسبب تكدس البضائع.
وعن مستقبل ثاني أكبر اقتصاد في العالم وخططه لمجابهة تداعيات جائحة كورونا وحرب أوكرانيا على معدلات نموه، قال عامر الشوبكي، الباحث والخبير الاقتصادي، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية": "إجمالا ثمة مظاهر ركود بالاقتصاد الصيني، حيث أن النسبة المستهدفة الرسمية للنمو الاقتصادي في الربع الأول من عام 2020 كانت الأقل منذ عقدين، والنمو الاقتصادي خلال الربع الأول هذا العام ولو أنه أفضل منه خلال الربع الرابع للعام 2021، حيث بلغت نسبته 4.8 في المئة، لكنها تبقى مع ذلك قليلة نسبيا".
وأضاف الشوبكي أنه رغم الركود الاقتصادي الصيني على وقع تداعيات ظهور فيروس كورونا المستجد، لكن الصين هي الدولة الوحيدة حول العالم التي حققت نموا اقتصاديا رغم ظروف جائحة كورونا، حيث حقق اقتصادها نموا بنسبة تقارب 2.5 في المئة خلال عام الجائحة الأول، في حين أن نسب النمو الصينية المستهدفة عادة ما كانت بحدود 7 بالمئة، في الاقتصاد الذي يعد الأعلى نموا في العالم".
وتابع: "هناك حسب بلومبيرغ نقص أو انخفاض أو انسحاب في الاستثمارات بالاقتصاد الصيني، نتيجة خوف المستثمرين من أن يجري للاقتصاد الصيني ما جرى لنظيره الروسي من فرض للعقوبات، واحتمال ان تكون المواجهة القادمة هي بين الغرب والصين، وبالتالي أن يتم فرض العقوبات الاقتصادية على بكين مستقبلا".
وفيما يتعلق بمؤشرات وعوامل الركود في الصين، أوضح الخبير الاقتصادي: "حتى في استهلاك النفط ثمة تراجع حيث في الربع الأول من العام الجاري انخفض بنسبة 8 في المئة عن مثيله بالعام الماضي، وخلال شهر مارس الماضي فقط انخفض استهلاك النفط بقرابة 1.6 مليون برميل عن نفس الشهر من العام المنصرم، حيث كان الاستهلاك أو الاستيراد يوميا بمعدل 10.2 مليون برميل بينما كان خلال مارس العام الماضي يفوق 11.8 مليون برميل يوميا، وبالتالي فانخفاض وتيرة استهلاك النفط والطاقة بهذا الشكل يدل على ضعف وتراجع الاقتصاد، علاوة على تراجع مؤشرات ومعدلات الإنتاج الصناعي والخدمي، أضف لذلك أن الأزمة العقارية بالصين ما انفكت تؤرق واضعي السياسات الاقتصادية حيث لا زالت هذه الأزمة تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد ككل".
وعن خطط بكين لمواجهة مؤشرات الركود واستعادة اقتصادها لعافيته وحيويته، قال الشوبكي: "تحاول الحكومة الصينية معالجة هذا التراجع الاقتصادي عبر خفض معدلات أسعار الفائدة على عكس ما تعتمده الدول الغربية من رفع لمعدلات الفائدة لمواجهة التضخم، وذلك لتحفيز الاقتصاد الصيني كما هناك اتجاه نحو إنفاق مبالغ هائلة على تنمية وتحديث البنية التحتية في الصين، حيث تعتزم بكين إنفاق مبلغ 2.3 تريليون دولار في هذا السياق، وهذا الرقم الضخم جدا هو ضعف ما ستنفقه الولايات المتحدة الأميركية على تحديث وتطوير بنيتها التحتية التي خصصت لذلك مبلغ 1.1 تريليون دولار، وذلك في مسعى من الصين لإحياء وإنعاش القطاع العقاري المتداعي في البلاد، وبالتالي إنقاذ وظائف وأعمال نحو 50 مليونا ممن يعملون في قطاع العقارات الصيني وهو ما يسهم في تنشيط الاقتصاد وتعافيه من عثرات جائحة كورونا ومن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على اقتصاد العالم برمته".