ما أن استعاد قطاع الطيران العالمي بعضاً من عافيته من جراء إغلاق الحدود بين الدول، والذي أحدثته جائحة كورونا على مدى عامي 2020 و2021، ليتلقى ضربة موجعة أخرى بسبب الارتفاع القياسي في أسعار الوقود الناجم عن الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ 24 فبراير 2022.
ويرى خبراء اقتصاد وطاقة أن شركات الطيران تحاول جاهدة استيعاب تحديات ارتفاع أسعار الوقود وتجنب نقل التكاليف إلى المسافرين، متوقعين ثبات الأسعار عند مستوياتها الحالية المرتفعة أساساً مع انخفاض الطلب على السفر، لكنهم في الوقت ذاته يؤكدون أن قطاع الطيران سيتأثر سلبياً ويواجه مزيداً من الضغوطات في حال ارتفاع أسعار الطاقة أكثر من مستوياتها الحالية.
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور نضال الشعار في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "تعد شركات الطيران والمطارات كيانات شبه احتكارية، ولديها القدرة على مواجهة التحديات والمنافسة في السوق، كما أن لديها القدرة على رفع أسعار التذاكر انطلاقاً من خصوصية سوق الطيران والتي تتجلى في اضطرار شريحة رجال الأعمال للسفر بغض النظر عن تكلفة التذكرة، حيث تشكل هذه الشريحة نحو 75 في المئة من دخل شركات الطيران، على الرغم من أنها لا تشكل سوى 12 إلى 14 في المئة من إجمالي عدد المسافرين حول العالم".
بينما الـ 25 في المئة الباقية من طبيعة متلقي خدمات شركات الطيران، بحسب الدكتور الشعار، فتمثل جمهور السياح والطلاب والأفراد الذين يزورون عائلاتهم، وبالتالي فإن المرونة السعرية لديهم كبيرة بمعنى أنهم يلغون السفر في حال ارتفاع أسعار التذاكر، بعكس المرونة السعرية الضعيفة لرجال الأعمال.
ويضيف الخبير الاقتصادي: "نعيش ضمن ظروف صعبة ترتفع فيها أسعار جميع خدمات السفر بما فيها النقليات البرية والبحرية والشحن ما وضع الاقتصاد بمرتبة سعرية أعلى، وبالتالي فإن الناس مضطرون لاستخدام هذه الخدمات الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض الطلب عليها، لكن علمتنا شركات الطيران أنها قادرة على استيعاب هذا الظروف وتحاول عدم تصدير مشكلة ارتفاع تكاليف التشغيل إلى العملاء، خوفاً من عزوفهم عن السفر، لكن إذا استمر ارتفاع أسعار الوقود إلى مستويات أكبر فسوف تضطر الشركات إلى رفع الأسعار وهنا سوف تتأثر، لتصل إلى مرحلة الإفلاس، لكنني أستبعد حدوث ذلك الآن، فالاقتصادات الأوروبية والأميركية ليست في حالة سيئة ولم تدخل بفترة ركود".
ورجح الدكتور الشعار أن تشهد المرحلة الراهنة نوعاً من الثبات على الأسعار المرتفعة حالياً وانخفاض الطلب على السفر الأمر الذي سينعكس على دخل المطارات أيضاً ورسوم الطيران والعبور.
من جهته، يوضح الدكتور مصطفى البزركان المستشار في أسواق الطاقة لـموقع "سكاي نيوز عربية"، أن قطاع الطيران كان من أكثر القطاعات الاقتصادية تأثراً بكورونا، مقدراً الخسائر التي تكبدها بنحو 10 في المئة من إجمالي خسائر اقتصادات العالم والتي تجاوزت 21 تريليون دولار من جراء الجائحة.
ويواجه قطاع الطيران اليوم مشكلات وتحديات عديدة من بينها ارتفاع أسعار الوقود التي زادت تكاليف تشغيل شركات الطيران، إلى جانب تراجع الاندفاع نحو شركات السفريات والطيران بسبب ارتفاع التضخم نتيجة الارتفاع القياسي لأسعار الوقود، وفقاً للبزركان، الذي لفت إلى أن تداعيات الجائحة مستمرة نتيجة تخلي شركات الطيران عن عدد كبير من طواقم الطيران والخدمات لتواجه مشكلة في إيجاد البدائل المتخصصة وتدريبها.
ويتابع الدكتور البزركان في شرحه لتداعيات الجائحة على القطاع قائلاً: "قامت شركات طيران عديدة بالاندماج لتقليل النفقات ما سيؤثر على الخطوط والوجهات التي تم إلغاؤها أو تقليل الرحلات إليها، إلى جانب تأثيرات ذلك على القطاع الفندقي والسياحي، وهناك أيضاً مشكلات تقنية تواجه شركات الطيران ما يتسبب في إلغاء مئات الرحلات وتعطيل إجازات المسافرين، كما زادت شركات الطيران أسعار التذاكر وهذا يؤثر على مسافري الرحلات الجوية، وتم تعليق عقود شراء طائرات جديدة أو استئجار طائرات بسبب تراجع حركة السفر ما أثر على استثمارات وإنتاج مصانع الطائرات".
بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي علي الحمودي أن ارتفاع أسعار وقود الطائرات 100 في المئة مقارنة مع العام الماضي بسبب الحرب في أوكرانيا يهدد صناعة الطيران ما دفع شركات الطيران إلى التحذير من انخفاض الربحية وارتفاع أسعار التذاكر.
وبالنسبة لشركات الطيران، يعد الوقود أكبر مصروفات تشغيلية فردية، حيث يمثل ما بين 30 و 60 في المئة من النفقات في المتوسط العام، وهذا يجعل الارتفاعات الحادة في الأسعار تلحق الضرر بشكل كبير بالنتيجة النهائية ما يفسر سبب اختيار بعض شركات النقل للتحوط من تكاليف الوقود مسبقاً، بحسب الحمودي، الذي اعتبر الضغط على تذاكر السفر منخفضاً حتى الآن، حيث تحاول شركات الطيران جاهدة تجنب نقل التكاليف إلى العميل المسافر، لكنه توقع أن يشهد القطاع صعوبات مع ثبات أسعار التذاكر عند مستوياتها الحالية.
وبالنسبة للمسافرين يضيف الحمودي: "لاحظ المسافرون الذين يتطلعون إلى الحجز في الصيف ارتفاعاً في الأسعار، ما يشكل ضربة أخرى لهم نظراً لارتفاع معدلات التضخم وتكلفة المعيشة في العديد من الدول، في حين يبدو أن الطلب على الصيف لا يزال سليماً، إلا أن زيادة الأسعار لاحقاً قد تتسبب في تأجيل الكثيرين لسفرهم خلال فترات الذروة".