في خضم السعي الأميركي والأوروبي لتغليظ العقوبات على روسيا، كان قطاع النفط والغاز على رأس القائمة المستهدفة، لكنه أثار جدلًا واسعًا وسط تخوفات من أن يصبح حظرهما سلاحًا ذو حدين يطال المقاطعين أنفسهم.

وتزعمت الولايات المتحدة المطالبات باتخاذ قرار حاسم تجاه قطاع الطاقة الحيوي لموسكو، وصولًا لتوقيع الرئيس جو بايدن على قانون لإنهاء استيراد النفط الروسي، مستهدفًا بذلك شل حركة الاقتصاد الروسي؛ كورقة ضغط لإجبار الرئيس فلاديمير بوتن على وقف حربه في أوكرانيا.

وأيدت دول البلطيق الثلاث "إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا" القرار الأمريكي، متخدة القرار بوقف استيراد الغاز الطبيعي الروسي، في حين قُوبلت تلك القرارات باعتراضات دول أوروبية عدّة أفشلت التحرك الجماعي، مواصلة تسلم الغاز الروسي الذي يشكل نحو 40 بالمائة من إمداداتها.

وحتى الآن امتنعت دول تعتمد بدرجة كبيرة على روسيا في إمدادات الطاقة، مثل ألمانيا والنمسا وإيطاليا، عن توسيع نطاق العقوبات لتشمل الغاز أو النفط، مقاومة كافة النداءات والضغوط لحين توفير بدائل مناسبة.

ويرى محللون بقطاع الطاقة، أن الصين باعتبارها أكبر مستورد للنفط الروسي، والهند سيحصلان على نصيب الأسد من الكميات التي تركتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، في حين قد تحصل بلدان بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا على جزء آخر، حال عدم وجود ضغوط ضدها، خاصة مع سعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى الاستفادة من وضع بلاده كمصدر رئيسي لموارد الطاقة.

مخاطر أوروبية

من جانبه، قال الخبير المتخصص في قطاع النفط والغاز ومؤسس شركة "فيروسي" لإدارة الاستثمارات والاستشارات المالية سيريل ويدرسهوفن، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي"، إنه من حيث المبدأ، فالأوروبيون قادرون على ذلك، ولكن يتم تقييد الخيارات من قبل السوق العالمية، إذ يرتفع الطلب العالمي على النفط، بينما يكون العرض مقيدًا، ويبدو أنه سيتعرض لمزيد من القيود في الأشهر أو السنوات القادمة.

في الوقت نفسه، هناك حاجة إلى النفط الروسي لمعظم المصافي الأوروبية، حيث يتم تعديلها وفقًا لمواصفات الأورال، وبالتالي من الصعب استبدالها بخامات أخرى، كما يبحث الآخرون بالفعل، وفق ويدرسهوفن.

أخبار ذات صلة

النفط الروسي يشعل الأجواء.. بايدن يضغط والهند على موقفها
النفط يهوي بفعل إغلاقات الصين والسحب من الاحتياطيات

وأضاف أنه على المدى القصير، إذا تخلت أوروبا عن النفط الروسي، فستتضرر اقتصادياتها بشدة، وسيكون المستهلكون أكثر تضررًا، كما أن استبدالها بخيارات الرياح أو الطاقة الشمسية أو غيرها من الخيارات، ليس ممكنًا حتى الآن، حيث لا يزال الاقتصاد الكلي قائمًا على الهيدروكربونات.

وصدرت روسيا ما يقرب من 5 ملايين برميل يوميا من النفط في عام 2020، نصفها إلى دول أوروبية لا سيما ألمانيا، هولندا وبولندا، بحسب الاحصاءات الأمريكية حول الطاقة.

وتؤمن روسيا أكثر من 25 بالمئة من واردات النفط للاتحاد الأوروبي، كما أنه في النصف الأول من عام 2021، حصلت بلغاريا وسلوفاكيا والمجر وفنلندا على أكثر من 75 بالمئة من إمداداتها من موسكو.

وبحسب يوروستات فان عشر دول أوروبية "بلغاريا وتشيكيا وإستونيا ولاتفيا والمجر والنمسا ورومانيا وسلوفينيا وسلوفاكيا وفنلندا"، كانت تعتمد بأكثر من 75 بالمئة على الغاز الروسي العام الماضي.

ولهذا، فإن عائدات النفط والغاز مولت 45 بالمئة من ميزانية روسيا الفدرالية في 2021، حسبما ذكرت الوكالة الدولية للطاقة.

بدائل متاحة

وبشأن البدائل أمام روسيا لتعويض الحظر الأمريكي والأوروبي، قال ويدرسهوفن، إن "الخيارات الرئيسية واضحة، فالصين والهند والعديد من المناطق غير الخاضعة للعقوبات على رأس الاستهداف، بجانب أنه النفط الروسي قد يتجه إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

وأضاف: "بالنظر إلى أسواق النفط العالمية، لا تتفاجأ إذا كان الخام الروسي سينتهي به الأمر أيضًا في أسواق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ليس بشكل مباشر ولكن ممزوجًا، فحتى الآن، لا يزال يتجه إلى بعض الأسواق الأوروبية".

لكن الأمر ليس بهكذا سهولة، فإن التحدي الرئيسي بالنسبة لموسكو إذا ما كانت قادرة على تصدير الكميات عند مستويات عام 2021 أو قبل ذلك، إذ أن للقيود اللوجستية أو العقوبات المفروضة على الشحن أو التمويل تأثير ضار أيضًا، وفق الخبير المتخصص في قطاع النفط والغاز، الذي تابع: "ضع في اعتبارك أن جزءًا كبيرًا من السفن الروسية كان يديره شخص أوكراني".

الأمور معقدة

وهذا ما أشار إليه مدير أبحاث الاقتصاد الكلي العالمي بالمعهد الوطني البريطاني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، كورادو ماكشياريلي، في حديث خاص لـ" اقتصاد سكاي" بأن الصين هي أكبر مستورد منفرد للنفط لروسيا بحوالي 20٪ من صادرات النفط الروسية، وقد يزداد طلب الصين لأسباب جيوسياسية واستراتيجية، كما يمكن للهند زيادة طلبها أيضًا.

وأضاف: "بينما اشترت الهند حوالي 12 مليون برميل من النفط من روسيا، أي 2٪ فقط من إجمالي وارداتها عام 2021، أشارت اثنتان من المصافي الهندية على الأقل مؤخرًا إلى أنهما تعتزمان شراء كميات أقل من النفط من دولة أخرى في مايو، بعد ارتفاع سعر البيع الرسمي ليسجل ارتفاعات قياسية لآسيا لتزداد واردات الخام الروسي".

وشدد على أن تخلي أوروبا عن النفط الروسي ليس بالأمن الهيّن، مضيفًا: "السؤال هو إلى متى يمكن لأوروبا أن تتخلى عن النفط الروسي؟ حتى لو تمكنت أوروبا من استبدال الواردات من روسيا هذا الشتاء بالنظر إلى احتياطياتها، فوفقًا لمركز أبحاث بروغل، فإذا خفضت روسيا الإمدادات، وكانت الظروف الجوية قاسية جدًا، فقد يستنفد المخزون على مستوى الاتحاد الأوروبي في وقت مبكر جدًا".

ويبقى شراء الصين والهند شحنات إضافية من النفط والغاز الروسي محفوفًا بالمخاطر، فبحسب سيريل ويدرسهوفن، أن هناك مؤشرات متزايدة على أنه إذا لم تخرج روسيا من أوكرانيا، فسيتم فرض عقوبات محتملة على أطراف ثالثة من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضًا.

وقال: "يمكن لنظام عقوبات محتمل على إمدادات النفط والغاز والطاقة إلى آسيا أن يكون مستوى جديدًا من التهديدات، وبالتالي سيتعين على الصين والهند أن تضع في اعتبارهما أن إبقاء الحرب في مكانها لن يؤخذ على محمل الجد لفترة أطول".