تتجه الحكومة المغربية نحو إطلاق خطة وطنية لتوفير مخزون استراتيجي من المواد الأساسية، بغرض الاستجابة للسوق الداخلية وضمان تموين كافٍ من الأغذية والمواد الطاقية، في ظل عدم الاستقرار الذي تعرفه الأسواق العالمية بسبب حرب أوكرانيا وتبعات الأزمة التي أعقبت جائحة كورونا.
وكشف الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى بايتاس، الخميس بالرباط، أن المخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية "يستلزم إعداد سياسات عمومية جديدة، ورصد تمويلات تكفل التحكم في الإنتاج".
وأكد المسؤول الحكومي، في معرض جواب عن تساؤل بخصوص استراتيجية الحكومة لتوفير احتياطي المحروقات والقمح، أن "التوفر على مخزون استراتيجي للمواد الأساسية، في ظل غلاء أسعار كل المواد المعنية سواء المستوردة أو المنتجة محليا، سيكون صعبا للغاية، وسيتطلب سياسات عمومية جديدة وتمويلات جديدة".
ومن شأن توفير مخزون استراتيجي من المواد الأساسية، أن يكفل استقلال المغرب عن المطبات الاقتصادية التي يمر منها العالم، والنأي به عن صراعات المصالح والأزمات الدولية.
رؤية استباقية
تعليقا على الموضوع، قال الطيب أعيس، خبير مالي واقتصادي، إن المغرب وضع منذ سنوات خطة استباقية تروم توفير مخزون من المواد الأساسية، بحيث وضع قوانين تلزم الفاعلين في القطاعات التي تمس المواطن، فعلى سبيل المثال، يتوفر المغرب حاليا على مخزون حبوب يعادل أربعة أشهر، يشرف عليه المكتب الوطني للحبوب والقطاني. كما أن السلطات وضعت قانونا يُلزم شركات المحروقات بتوفير مخزون 60 يوما من البنزين والديزل".
الخبير أكد في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" أن "وفرة السلع هي أول ما يجب الاشتغال عليه من طرف الحكومة، وبعد ذلك تحديد آليات وضع الأسعار المناسبة لكل منتج".
وضرب المتحدث مثال "زيت المائدة التي كانت غير متوفرة مؤخرا بمتاجر أوروبية، في حين كان المغرب يتوفر على كميات كبيرة منها، رغم ثمنها المرتفع".
ولفت أعيس إلى أن "المغرب يحقق اكتفاء في عدد من المواد الغذائية، كما أنه ينتج كميات مهمة من الحبوب؛ بحيث تجاوز إنتاجه السنة الفارطة أزيد من 105 مليون قنطار، مقابل حوالي 30 مليون قنطار متوقعة خلال السنة الجارية التي تأثرت بالجفاف غير المسبوق الذي عرفه المغرب".
علاقات تجارية متنوعة
إلى جانب الاكتفاء الذي يحققه المغرب من خلال إنتاجه الداخلي من المواد الغذائية، فإن المملكة ترتبط تجاريا بعدد من الدول المنتجة للحبوب والقطاني والخضر والفواكه والزيوت.
وفي هذا الصدد، أكد الخبير الاقتصادي الطيب أعيس لـ"سكاي نيوز عربية" أن المغرب لديه علاقات متميزة مع عدد من الدول، تمكنه من الحصول على مواد غذائية من كافة أنحاء العالم؛ بالإضافة إلى أوكرانيا وروسيا، فإن المغرب له علاقات تجارية قوية مع فرنسا والمكسيك والأرجنتين والبرازيل، التي تعد من الدول المنتجة للحبوب والتي قد تشكل بديلا لأوكرانيا في الظرفية الحالية كمصدر لعدد من المواد الغذائية التي يحتاجها المواطن المغربي.
أما بالنسبة للإمدادات الطاقية، يضيف المتحدث، فإن المغرب له علاقات طيبة مع أشقائه في منطقة الخليج العربي، التي تعتبر إحدى أكبر المناطق المنتجة للطاقة في العالم.
توجيهات ملكية
وكان الملك محمد السادس دعا سابقا إلى ضرورة إحداث منظومة وطنية متكاملة، تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية، بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد.
وقال الملك، في خطاب وجهه إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية الحادية عشرة (أكتوبر 2021)، إنه إذا كان المغرب قد تمكن من تدبير حاجياته، وتزويد الأسواق بالمواد الأساسية، بكميات كافية، وبطريقة عادية ، فإن العديد من الدول سجلت اختلالات كبيرة، في توفير هذه المواد وتوزيعها.
وأكد الملك أن الأزمة الوبائية أبانت عن عودة قضايا السيادة للواجهة والتسابق من أجل تحصينها، في مختلف أبعادها الصحية والطاقية والصناعية والغذائية، وغيرها، مع ما يواكب ذلك من تعصب من طرف البعض.
وفي سياق متصل، قال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، خلال الندوة التي أعقبت مجلس الحكومة الأخير، إن الحكومة عملت جاهدة، منذ دعوة الملك محمد السادس إلى إحداث منظومة وطنية متكاملة تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، على بلورة تصور متكامل بهذا الخصوص، مبرزا أن "تنزيل هذا التصور على أرض الواقع سيتطلب وقتا".