أقرت الحكومة اللبنانية، الخميس، مشروع موازنة عام 2022، لكن في ظل غياب التوافق على خطة للتعافي تحاكي المطلوب من قبل صندوق النقد الدولي، لدخول برنامج تعاون مع بيروت.
وبينما عرض وزير المال يوسف الخليل الموازنة معتبرا أنها "تحقق الاستقرار بالاقتصاد الكلي والتعافي المالي والنقدي"، فإنها أتت خالية من أي نفقات استثمارية أو أي مواد لتعزيز لشبكات الأمان الاجتماعي، أو معالجة جذرية لتعددية سعر الصرف التي تعتبر العقبة الأساس للخروج من الأزمة النقدية.
وقال الخبير الاقتصاد والمصرفي علي نور الدين، إن الموازنة أتت في ظل غياب أي خطة لرؤية إصلاحية لانهيار اقتصادي دخل عامه الثالث، واقتصرت فقط على عمليات محاسبية تتضمن الواردات والنفقات، إضافة إلى طبعها الانكماشي لأبعد الحدود من ناحية غياب النفقات الاستثمارية وتصحيح للرواتب والأجور، التي تعتبر أساسية كي يتمكن المواطن من تقبل زيادة الأسعار التي ستطرأ نتيجة إقرار الدولار الجمركي بنسبة 3 بالمئة إلى 10 بالمئة، وغيرها من زيادة في الضرائب والرسوم.
وأوضح نور الدين لموقع "سكاي نيوز عربية": "بالإضافة إلى ذلك هنالك أيضا تعددية سعر الصرف، التي تأتي في وقت يعتبر فيه توحيد سعر الصرف أمرا ضروريا لإقرار أي خطة تعاف".
ولفت الخبير إلى التداعيات الاقتصادية والاجتماعية القاسية التي ستطال المواطن بشكل مباشر، نتيجة حزمة الضرائب والرسوم التي ستقر من دون أي دراسة علمية واقتصادية صحيحة، وهو الأمر الذي أنكرته الحكومة.
ومن جهة أخرى، اعتبر الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية مارون خاطر أن الموازنة "أقرت فارغة المضمون والإصلاحات والرؤية، على عكس ما سوقت لها الحكومة بانها بصيغتها الحالية تلبي شروط صندوق النقد".
وفي حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، وصف خاطر الموازنة بـ"محاولة للتلطي خلف شروط الصندوق، بهدف التمادي في سياسة عدم الجدية في مقاربة المشكلات، فالموازنة بالنسبة للصندوق أداة لتقييم قدرة الدولة على السداد والتزامها به من خلال خفض الدين وبالتالي عبر خفض العجز".
ووتابع: "وفي خطوة ملتبسة، بل مشبوهة، تعكس الخفة في التعاطي مع الأزمة، خفضت الحكومة من خلال مشروع الموازنة العجز عبر زيادة الإيرادات بدلا من تخفيض النفقات. إلا أن الأخطر فيما أُقر أن الزيادات الجنونية على الرسوم والمُقنَّعة على الضرائب لن تؤمّن سوى إيرادات دفترية وهمية للدولة، إذ أن زيادة في ظل الأزمة سيؤدي إلى انخفاض المداخيل والاستهلاك وبالتالي الإيرادات".
وبحسب خاطر، ستطبق الدولة هذه الزيادات على من يدفعون الضرائب أصلا، وستواصل استثناء من وصفهم بـ"المتمردين المستقوين"، وقد يؤدي ذلك إلى دفع العديد من المُكلفين إلى التهرب قسرا، وبالتالي إلى ازدهار "الاقتصاد السري الأسود" على حد قوله.
ولفت إلى أن الحكومة "أقرت مشروع الموازنة خاليا من أي إصلاحات حقيقية ومن أي إنفاق استثماري يساعد الاقتصاد على النهوض، فالكهرباء مشروع مؤجل والقطاع العام ينتظر المساعدات بدلا عن إعادة الهيكلة والترشيق كما يطلب الصندوق، وأصبحت الموجبات تصنف إنجازات، وإن كانت تعاني عيوبا منطقية وهيكلية".
وختم قائلا إن "مشروع الموازنة جزء من مسلسل تمرير الوقت الذي تنفذه السلطة، ولا يمانع صندوق النقد اعتماده بانتظار القادم من المفاوضات والانتخابات".