تجاوزت قيمة الرسوم الجمركية التي قررت الجزائر فرضها على الطرود البريدية والسلع المستوردة عن طريق الشحن السريع، حدود 150 بالمئة من قيمة السلعة، مما ينذر بآثار سلبية على هذه السوق المهمة.
وأثار إعلان هذه القيمة جدلا كبيرا لدى المواطنين وجمعيات حماية المستهلك وخبراء الاقتصاد الذين دأبدوا مخاوفهم بشأن مستقبل التسويق الإلكتروني في الجزائر.
وأخضع قانون المالية لعام 2022 السلع المستوردة من طرف مواطنين عبر خدمة الطرود البريدية، التي تصل إلى المرسل إليهم عبر بريد الرسائل أو عبر الطرود البريدية أو عبر طرود الشحن السريع، لرسوم جزافية متفاوتة تتراوح ما بين 70 إلى 160 بالمئة.
حماية المستهلك تحذر
وحرك هذا الإجراء المنظمة الوطنية لإرشاد المستهلك من أجل حماية التجارة الإلكترونية، التي راسلت الجهات الرسمية لإعادة النظر في نصوص قوانين الضريبة المفروضة على المستهلكين.
وأوصت المنظمة بضرورة إعادة تحديد سقف قيمة محتويات الطرود، ودعت السلطات لإنشاء تصنيف للمنتجات وتحديد تعريفات جمركية لكل صنف، مع ضرورة إعفاء الطرود الموجهة للباحثين والطلبة والمخترعين بعد تقديم بيان يثبت ارتباط المنتج بمجال البحث أو الاختراع، كما حثت على تشجيع التحول الرقمي في الجزائر وتحسين المنظومة المصرفية لتتماشى مع التجارة الإلكترونية.
وأكد رئيس جمعية حماية المستهلك في الجزائر مصطفى زبدي، أن هذه الضرائب جاءت مفاجئة للجميع، خاصة أنها فرضت على الطرود البريدية التي من المعروف أن المتعاملين بها أشخاص عاديين وليسوا تجارا.
وأكد زبدي لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "هذا الإجراء من شأنه الإضرار بمستقبل التجارة الإلكترونية في الجزائر، التي تشهد العديد من العراقيل، لا سيما فيما يخص المنظومة البنكية التي ما زالت تتعامل بالطرق التقليدية".
وأوضح رئيس جمعية حماية المستهلك أن "الاعتراض على هذه الضرائب لا يعني اعتراضا على فكرة حماية المنتجات الوطنية، بقدر التأكيد على ضرورة تطوير السوق وتشجيع الاستثمار وحماية المستهلك المباشر للسلع".
تصحيح العجز في الموازنة
وانقسم الخبراء في قراءة الجدوى من هذه القرارات، على اعتبار أن الأمر يأخذ طابعاً سياسيا، وهو يندرج في خانة السيادة الوطنية وفق الحاجة الاقتصادية، بما يعكس السياسية المالية المبنية على واقع الإنتاج المحلي.
ويرى الخبير الاقتصادي حميد علوان أن مثل هذا النوع من الضرائب يهدف أساسا لحماية المنتجات المصنعة محليا، وهو الأمر الذي لا ينطبق في الحالة الجزائرية التي فرضت قيمة مضافة على العديد من المواد التي لا تصنعها.
ويرى علوان أن الجزائر توجهت لفرض هذه الضرائب "لتمويل الاقتصاد ودعم الخزينة العمومية التي تسجل عجزا بحدود 20 مليار دولار في الموازنة العامة لعام 2022".
وقال لموقع "سكاي نيوز عربية": "بالنظر إلى مستويات الإنفاق التي تتجاوز معدل الواردات بكثير، فإن الجزائر تسعى لإعادة الأموال المتداولة في السوق الموازية، وهي كتلة نقدية كبيرة جدا تقدرها الدولة بحوالي 90 مليار دولار".
وأضاف أن "إعادة تنظيم حركة تلك الكتلة المالية من شأنه المساعدة على التقليل من العجز الاقتصادي وخفض أسعار المواد الأساسية، التي تشهد ارتفاعا رهيبا في الفترة الأخيرة.
وحذر الخبير الاقتصادي من المبالغة في فرض الضرائب، مشيرا إلى القاعدة الاقتصادية المتعارف عليها بين الخبراء التي تقول إن "كثرة الضرائب تقتل الضرائب"، وهو ما يعكس انتشار مظاهر التهرب الضريبي والسوق السوداء و الصفقات الموقعة خارج القانون، التي أصبحت أمرا عاديا في الأسواق الجزائرية، مما دفع المستثمرين الأجانب للهروب.
السوق الجزائرية والضرائب
واعتبر الخبير في مجال التجارة الإلكترونية في الجزائر يونس قرار، أن سوق التجارة الإلكترونية في الجزائر بحاجة لمزيد من التحفيزات لا الضرائب، مشيرا إلى أن "زيادة الضرائب أدت إلى تهرب التجار من التعامل بالآلات الرقمية في المتاجر، مقابل تفضيل المعاملة المالية النقدية".
ونص قانون المالية على إلزامية أن توفر المتاجر على الأقل جهازا واحدا للدفع الإكتروني، إلا أن حالة السوق الجزائرية وعدم تقبل كثير من المواطنين والتجار لهذا النوع من المعاملات دفع السلطات المعنية لتأجيل الأمر إلى حين جاهزية السوق.
وتأتي هذه الإجراءات في الوقت الذي شدد به الرئيس عبد المجيد تبون على ضرورة تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وقد اتخذت مؤخرا عدة إجراءات تحفيزية منها تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي ورفع النقطة الاستدلالية في الوظائف الحكومية.