أعلنت الجزائر عن استحداث هيئة جديدة للتحري في مظاهر الثراء لدى الموظفين العموميين، وقد جاء هذا القرار ضمن أشغال مجلس الوزراء الأخير الذي ترأسه الرئيس عبد المجيد تبون، مشددا على ضرورة العمل على محاربة أشكال الفساد، عملا بمبدأ "من أين لك هذا".
ويقود المشروع للحديث عن السلطة الوطنية العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، حيث تسعى الجزائر لمراجعة اللوائح القانونية التي تحارب الفساد خاصة تلك التي تتعلق بتحويل الأملاك العمومية والتجارية، وشروط الإعلان عن الصفقات والمناقصات العمومية.
وينظر رجال السياسية بكثير من الاهتمام إلى مثل هذه القرارات التي أصبحت تشكل ملامح السياسية الجديدة للرئيس عبد المجيد تبون الذي يبدو أنه يريد الدفع نحو بناء اقتصاد جديد للبلاد خالي من الفساد.
وقد أرهقت الجرائم المالية الخزينة الجزائرية لعقود طويلة، وتسبب في خسارة الجزائر لأكثر من 200 مليار دولار بحسب تقديرات الخبراء، بما بات يعرف قضائيا بـ"فضيحة "الأموال المنهوبة" والتي تسعى الجزائر منذ عامين لاسترجاعها بكل الطرق.
وأكد السياسي وعضو المجلس الوطني لحزب التجمع الوطني الديموقراطي "الأرندي"، كريم بن عيسى، أن مثل هذه القرارات من شأنها محاربة الفساد والبيروقراطية التي شوهت الحياة السياسية ودمرت الاقتصاد الوطني.
وقال بن عيسى، لموقع سكاي نيوز عربية، إن أهم شيء يجب أن تضمنه الهيئة هو تطبيق القانون بشكل جاد بعيدا عن الحسابات الشخصية.
وأشار عضو مكتب "الأرندي" إلى أن الرقابة بإمكانها تنظيم سوق المال والأعمال في الجزائر وحماية المستثمرين الحقيقيين من التعرض للابتزاز والمساومة.
ويعتبر القرار الأول من نوعه في تاريخ الجزائر منذ الاستقلال، فرغم وجود العديد من القوانين التي تحارب الرشوة والفساد الإداري ومظاهر الثراء إلا أن الجزائر لم تعرف ميلاد هيئة بهذا الوزن.
العديد من الهيئات لم تحقق شيء
ويتسأل المراقبون الجزائريون عن الهيكل التنظيمي لهذه الهيئة، وطبيعة الأعضاء، وهل ستتكون من قضاة أو إداريين، حيث يخشى الخبراء من أن يطول الأمر، ويتعثر مشروع إنشاء الهيئة مع فعل الزمن.
وفي انتظار صدور النصوص التنظيمية فإن خبراء القانون يتوقعون أن تتشكل هذه الهيئة من عدد من المؤسسات والشخصيات الوطنية، بالإضافة إلى الضبطية القضائية والمجتمع المدني وأصحاب الخبرة القانونية.
وسيكون للأعضاء صلاحيات تحريك الدعوة العمومية ضد المسؤولين الذين تظهر عليهم مظاهر الثراء الفاحش بشكل قياسي مثير للانتباه.
ومنذ استقلال البلاد عام 1962 إلى يومنا هذا، عرفت الجزائر إنشاء عدة هيئات لمحاربة الفساد، كما تم سن قوانين في هذا الإطار إلا أن مسألة تحريك الدعوة العمومية ظلت مسألة بعيدة المنال خاصة خلال الثلاثة عقود الماضية.
ويرى الخبير القانون الدستوري الجزائري عامر رخيلة أن الجزائر فشلت في محاربة الفساد المالي والإداري، رغم أنها سنت عام 2006 قانون 06/01 الشهير والمتعلق بمكافحة الفساد.
وقد تفاقم الفساد المالي في الجزائر رغم تشكيل الهيئة الأخلاقية وتعزيز القانون بالعديد من المواد القانونية الجزائية المشددة، على غرار قانون 119 من قانون العقوبات الذي صنف الجريمة الاقتصادية كجناية تصل عقوبتها للإعدام.
وقال رخيلة لموقع سكاي نيوز عربية: "العبرة بالتنفيذ وليس بالقوانين، لأن المسؤول السياسي والإداري ساهما معا في الفساد المالي، وقد ظلت مسألة محاربة الفساد هي الاستثناء".
مناخ جديد بعد حراك 22 فبراير
ومنذ سن قانون 2006 لمحاربة الفساد حتى عام 2019 لم تسجل المحكمة الجزائرية إلا دعوة قضائية واحدة في هذا الإطار، وهي قضية "سونطراك 1,2 "، وهي القضية التي يصفها خبراء القانون بالقضية السياسية التي لم تتحرك بخلفية حقيقة محاربة الفساد ومكافحة الجريمة المالية.
كما يحيلنا القرار إلى الحديث عن دور مجلس المحاسبة الذي يعتبر أعلى جهاز للرقابة البعدية على الأموال العمومية، ورغم أنه يقوم بمراجعة سنوية لنشاطات المؤسسات والهيئات الرسمية، إلا أن تقاريره السنوية ظلت مجرد حبرا على الورق لعقود من الزمن، ولم تحرك الدعوة العمومية خلال فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
ويجمع المراقبون على وصف المناخ السياسي والقانوني في الجزائر بالجديد بعد حراك 22 فبراير، حيث يتواجد عدد كبير من المسؤولين والوزراء السابقين رهن الحبس المؤقت بتهم تتعلق بالثراء وسوء استغلال الوظيفة والفساد.
وقد أصدرت المحكمة الجزائرية خلال العامين الماضيين أحكاما قاسية في حق عدد من أبرز رجال المال والسياسية والموظفين العموميين، على رأسهم الوزيرين الأوليين السابقين أحمد أويحيي وعبد المالك سلال، حيث تم إلقاء القبض عليهما عقب الحراك الشعبي 22 فبراير 2019 الذي دفع بالرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لتقديم استقالته بعد 20 عاما من توليه لمقاليد الحكم.