عام مضى منذ أن قرر مصرف ليبيا المركزي خفض سعر صرف الدينار الليبي، ليصبح الدولار بـ4.48 دينار، مما يعني فقدان العملة المحلية نحو 71 بالمئة من قيمتها في ذلك الحين، فماذا تحقق؟

في البداية، سعى البنك المركزي الليبي من وراء هذا الإجراء إلى حل أزمة السيولة النقدية التي ترهق المواطنين منذ سنوات.

يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي عطية الفيتوري: "إن البعض وعد في ذلك الحين أن يؤدي هذا الإجراء إلى تدفق السيولة على المصارف التجارية، بما يخدم المواطنين، لكن الحقيقة هي تحقيق زيادة في إيرادات الخزانة العامة على حساب المواطن الذي تحمل القرار من دخله الحقيقي، إذ انخفض بشكل ملحوظ.

وأضاف الفيتوري أن الشرائح الأقل دخلا لم تعد قادرة على توفير حتى السلع الضرورية، في حين أن الزيادة في الإنفاق لم تنعكس على إنفاق رشيد على احتياجات المجتمع أو تطويره.

وأكد أن المصرف المركزي هو سبب تنامي السوق السوداء للدولار، وانخفاض قيمة الدينار، وذلك بسبب عدم فتح الاعتمادات اللازمة للسلع.

أخبار ذات صلة

"المالية الليبية" تعلن صرف المتأخرات.. وليبيون: القادم أسوأ
مؤتمر "الفرص المغرية".. 480 مليار دولار في الطريق إلى ليبيا
ماذا تريد ليبيا من القوى الدولية؟.. 3 مطالب عاجلة
تحذير من أكبر خطر يهدد ليبيا.. "المربع صفر" يمهد لكارثة

السوق السوداء وأسعار السلع 

وتابع: "تعنت المصرف المركزي يؤدي إلى لجوء التجار لشراء الدولار من السوق السوداء، حتى ولو وصل سعر العملة الأميركية إلى 15 دينارا، وربما حتى أعلى"، ويتحمل تلك الزيادة المواطن.

وفي السياق ذاته، قال الخبير الاقتصادي محمد أبو سنينة إن سعر صرف الدينار الحالي يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات المستوردة بسعر الصرف الرسمي، إضافة إلى زيادة ثمن بعض المحروقات بنسبة 200 بالمئة.

وأضاف أبو سنينة أن تلك السلع تشمل المواد الغذائية والأدوية ومستلزمات الإنتاج والمعدات الطبية وقطع الغيار ومواد التنظيف والمستلزمات الزراعية، وبعض البضائع الأخرى.

وتعجب المحلل الاقتصادي الليبي ناصر بوخشيم من إلقاء البعض اللوم على ارتفاع الأسعار عالميا، بدلا من التطرق إلى مسألة سعر صرف الدينار، والحديث عما يسمى بـ"التضخم المستورد"، وارتفاع تكاليف النقل البحري.

وقال بوخشيم إن الغرض من خفض سعر الصرف هو محاولة السيطرة على عجز الموازنة العامة وتقليل الدين العام، بحكم أنها "أسهل الطرق" للتدخل النقدي، لكن تم ذلك دون النظر في التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لمثل هذه السياسة، والتي يتحمل أعباءها المواطن البسيط صاحب الدخل الثابت والمحدود، في اقتصاد يعتمد على الاستيراد من الخارج في جل، إن لم يكن كل، بنود الإنفاق لديه: الاستهلاكي والاستثماري والحكومي.

توصيات

وكان المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي والاجتماعي الليبي قدم عدة توصيات لتلافي الآثار السلبية لقرار خفض سعر الدينار، منها دعم الفئات الهشة وذوي الدخل المحدود من أصحاب معاشات الضمان وزيادة مخصصاتهم، وتحديد حد أدنى جديد لها، وتوفير خدمات الرعاية الصحية الأولية ودعم الأطفال الرضع في جانب الغذاء والتطعيمات.

وطالب بإصلاح نظام الأجور لذوي الدخل المحدود بعد حصر هذه الفئة، وإعداد دراسة لمستوى المعيشة، وإعداد سيناريوهات لهذا الإصلاح، وربط مستويات الأجور بمؤشرات الأداء، وتقليص الإنفاق الحكومي الخارجي المتمثل في السفارات. وذلك لمواجهة احتمال ارتفاع فاتورة الباب الأول في الميزانية "المرتبات"، لكن تلك التوصيات لم تجد طريقها للتنفيذ.