تفرض حالة من "عدم اليقين" نفسها على الاقتصاد العالمي، الذي يواصل رحلة تعافيه من آثار وتداعيات جائحة كورونا، وسط مخاوف لم تنقطع من موجات العدوى الجديدة، التي تؤثر بدورها على سيناريوهات وفرص "التعافي" التي ترصدها تقارير المؤسسات الدولية.
ووسط زخم التقارير، أشار صندوق النقد الدولي في أحدث توقعاته، إلى تحقيق نمو بنسبة 5.9 في المئة في سنة 2021، و4.9 في المئة في 2022.
وسبق أن خفّض الصندوق توقعاته لما ورد في تقرير يوليو 2021، وهو التراجع الذي برره جزئيا بالخفض المتعلق بالاقتصادات المتقدمة، لا سيما مع أزمة سلاسل الإمداد، وكذلك تفاقم الجائحة في البلدان النامية ذات الدخل المنخفض.
في غضون ذلك، تثار عدة أسئلة حول مدى تأثير متحور "أوميكرون" الجديد على تلك التوقعات، في ظل حالة عدم اليقين بشأن سرعة التعامل مع الجائحة.
وتتأثر التوقعات أيضا بالإجراءات التي قد تلجأ إليها الدول للسيطرة على الوضع، ومن بينها سيناريو "الإغلاق"، وسيناريوهات إعادة فرض قيود مختلفة.
فكيف يؤثر المتحور الجديد على فرص وتوقعات تعافي الاقتصاد العالمي؟، وما هي أبرز السيناريوهات التي تفرض نفسها؟، وما هي حدود انعكاسات حالة "عدم اليقين" التي تفرض نفسها على الوضع الاقتصادي عالميا؟.
سيناريوهات مختلفة
في البداية، قال رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، رشاد عبده، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" إن العالم مقبل على ما وصفه بـ"الوبال الاقتصادي"، في حال تفاقم أزمة متحور "أوميكرون" وتسببها في نفس تداعيات الجائحة عام 2020، من حيث الإغلاقات وغيرها من الإجراءات المماثلة التي تسببت في آثار اقتصادية وخيمة وخسائر واسعة للاقتصاد العالمي.
وأوضح عبده أنه "فور الإعلان عن إصابات محدودة بالمتحور الجديد في بعض الدول، انعكس ذلك مباشرة على المؤشرات الاقتصادية وأسواق المال، ورأينا التراجعات المتتالية التي حدثت خلال الأيام الماضية، وبالتالي كيف سيكون التأثير حال تزايد الإصابات وانتشار المتحور الجديد وعدم ثبوت فعالية اللقاحات معه؟".
ولفت الخبير الاقتصادي إلى حالة الترقب التي تنتاب الاقتصاد العالمي بشأن مدى تأثير المتحور الجديد، الذي بدأت آثاره تنعكس على عدة قطاعات في عدد من الدول، لا سيما قطاع السياحة، مع وقف الرحلات بين بعض الدول.
وأشار إلى أن الاقتصاد العالمي "مهدد بالشلل التام في حال تفاقم الأزمة والاضطرار إلى الإغلاق وتوقف المصانع".
وتحدث رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، عن حالة "الخوف" المسيطرة على اقتصادات العالم خلال العامين الماضيين ومدى تأثيرها، لا سيما على خيارات المستثمرين.
وأضاف: "حالة عدم اليقين هي أخطر شيء في أي اقتصاد.. هناك صعوبة في اتخاذ قرار بسبب عدم اتضاح الرؤية والمخاوف من تطورات ومتحورات كورونا، مما ينعكس بشكل مباشر على الاقتصاد في العالم، ويؤثر على توقعات التعافي".
مخاوف الإغلاق
ومن بريطانيا التي شهدت رصد إصابات بالمتحور الجديد، يقول الخبير الاقتصادي مدير مركز "كوروم" للدراسات الاستراتيجية في لندن، طارق الرفاعي: "الفترة الماضية شهدت مخاوف واسعة تدب في أوروبا بشكل عام بشأن احتمالات تطبيق سيناريو الإغلاق، وهي المخاوف التي تنعكس بصورة مباشرة على اقتصادات تلك الدول".
وفي ظل حالة عدم اليقين الحالية، يوضح الرفاعي في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "قياس مدى تأثر الاقتصادات الأوروبية بتلك التطورات، يعتمد بالأساس على طبيعة الإجراءات التي ستتخذها الحكومات والقيود التي قد يتم اللجوء إليها، بدءا من التداعيات الأكثر سلبية في حالة الإغلاق التام، وهو مستبعد إلى حد ما، حتى تداعيات الإقفال المحدود أو بعض القيود المشددة".
ويأتي هذا القياس في ظل تحذيرات منظمة الصحة العالمية من عودة القارة العجوز لتشكل بؤرة لتفشي كورونا، مع تزايد الإصابات على نحو واسع في الفترة الأخيرة.
وأشار إلى أن الإقفال هو "الخطر الأكبر الذي لا يريده المستثمرون، لا سيما لانعكاساته الواسعة على العملية الاقتصادية، وعلى أسعار الخدمات والسلع والنفط".
وأشار إلى انعكاسات تلك المخاوف بشكل مباشر وواضح على الاقتصادات الأوروبية في الفترة الأخيرة.
أسواق المال
وتحدث خبير أسواق المال أحمد معطي، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، عن حالة التخوف التي تنتاب الأسواق العالمية وكذا الأسواق الناشئة، من حيث انعكاس تأثير متحور "أوميكرون" والإجراءات المقبلة التي تتخذها الدول.
ونوه إلى أن الأسواق العالمية شهدت تراجعات في مؤشراتها، خلال الأيام القليلة الماضية، على اعتبار أنها الأسرع تأثرا.
وتابع: "كما تأثرت أسواق المنطقة إلى حد كبير، مما يعكس حالة التخوف المذكورة وتداعياتها على الاقتصاد، في خط متوازٍ مع المخاوف التي تنتاب الجميع من إمكانية اللجوء إلى الإغلاق مرة أخرى، في ضوء حالة الغموض المسيطرة بشأن المتحور ومدى قوته وتأثيره على صحة البشر".
لكن معطي أعرب عن اعتقاده بأن "الصورة لم تتضح بعد بشكل كافٍ للحكم على مدى تأثير المتحور عمليا".
واستطرد: "حتى الآن لم تحدث أي إغلاقات داخلية بسبب المتحور، بل اقتصرت على تعليق الرحلات بين بعض الدول، مما يعني أن التأثير حتى اللحظة وحتى اتضاح الصورة، لن يكون على غرار العام الماضي".
وتابع: "ظهور المتحور في عدد من الدول حول العالم، يثير مزيدا من التخوفات، لكن بموازاة ذلك هناك تطمينات من عدة شركات للأدوية بخصوص تكييف اللقاحات وتطويرها للتعامل مع المتحور".
واختتم الرجل حديثه بالقول: "هذه العوامل تؤخذ بعين الاعتبار لدى قياس مدى تأثير المتحور على الاقتصاد على المدى القصير، أو حتى اتضاح الصورة".