تدخل مصر عصر العمارة الخضراء، بألف وحدة سكنية، كمرحلة تجريبية، وهو ما أعلنته الرئيس التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي المصري، مي عبد الحميد، ويأتي ذلك في إطار تقليل انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، والتوجه نحو الطاقة النظيفة.
وتقول تقارير إن من 17 لـ 21 بالمئة من انبعاثات الكربون تسببها العقارات السكنية المرتبطة بالطاقة على مستوى العالم، بدءا باستخدام الكهرباء، وحتى تصنيع الخرسانة والمعدن ومواد البناء الأخرى.
80 مليون طن انبعاثات
وهناك معروفة وأدوات تقنية من شأنها أن تقلل الانبعاثات من العقارات السكنية، ومع حلول عام 2045، قد تبدو الطريقة التي يتم بها بناء منازلنا وتدفئتها وتشغيلها مختلفة تماما.
وهناك عدة خطوات لتقليل كمية الطاقة التي تستخدمها المنازل، أولها، على سبيل المثال، التصميم بحيث يضمن اتجاه المنزل وموضع نوافذه تحقيق أقصى استفادة من أشعة الشمس، وحتى الأشجار يمكن أن تبقي المنازل باردة في الصيف.
أما في البيئة التي تتسم بالمناخ البارد، فإنه لا يلزم سوى كمية صغيرة من التدفئة الإضافية في الشتاء، نظرا لأن المنزل الموفر للطاقة يحتاج إلى أن يكون محكما نسبيا للاحتفاظ بالحرارة، فإن العنصر الأخير هو نظام تهوية لتدوير الهواء النقي.
ويمكن أيضا استخدام الأخشاب لتكون بدائل للخرسانة والطوب، حيث قدرت الدراسات أنه يمكن تجنُّب ما بين 20 لـ 80 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم من خلال استبدال الأرضيات الخرسانية بهياكل من الخشب والصلب بحلول عام 2050.
منطقة توشكى
ويقول استشاري التغيرات المناخية، ومؤلف رئيسي مع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية، سمير طنطاوي، إن العمارة الخضراء مصطلح يُطلق على مسميات أخرى مثل التصميم المستدام، الإنشاءات المستدامة، البناء الأخضر، وهي كلها مفاهيم لأساليب وطرق جديدة في الإنشاءات من حيث تشغيلها وتنفيذها بما يسهم في الحد من الأضرار البيئية وخفض التكاليف وعلى وجه الخصوص تكاليف التشغيل والصيانة.
ويشير في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربيّة" إلى أن "الدولة المصرية أظهرت اهتماما بفكرة العمارة الخضراء من خلال جهاز تخطيط الطاقة حيث نظم ندوة عن العمارة الخضراء عام 1996 ثم نظم دورات تدريبية للمعماريين في هذا المجال خلال عامي 1997 و1998 وانتهى بإقامة مسابقة معمارية لتصميم مساكن منطقة توشكى".
وتابع: "تتبنى هيئة المجتمعات العمرانية المصرية استراتيجية تعتمد على العمارة الخضراء وتنفيذ مشروعات تهدف لتحقيق الاستخدام الأمثل لمصادر الطاقة مثل إنشاء محطات لتوليد الطاقة الشمسية أعلى مباني أجهزة المدن الجديدة".
واستطرد قائلا: "كذا استخدام السخانات الشمسية في بعض المباني السكنية، بجانب إضاءة بعض الشوارع بالطاقة الشمسية وتعميم إنارة الطرق بالكشافات الموفرة للطاقة، وتخصيص مسارات خاصة للدراجات بمسافة حوالى 26 كم كمرحلة أولى بعدد من المدن الجديدة، بما سيعمل على المساهمة في تخفيض الانبعاثات والحفاظ على البيئة".
تحديات
وعن وجود تحديات تواجه مصر في الدخول إلى عصر العمارة الخضراء، شدد على أنَّ العمارة الخضراء تهدف بشكل كبير للحفاظ على قيمة العقار وهو الفكر الذي يتبناه المطورون والشركات العقارية خلال الفترة الحالية والتي تحافظ على قيمة العقار وتضمن تنافسيته بالخارج.
وأوضح أن "مفهوم الاستدامة، بشكل عام، يمثل منظومة بيئية متكاملة جزء منها يتمثل في الاستخدام الأمثل للطاقة والموارد المتاحة والجزء الآخر يتمثل في تطوير التكنولوجيات الذكية الصديقة للبيئة".
وتابع: "تمثل التكلفة المبدئية لإدخال الاستدامة في المشروعات تحدي كبير للمطورين لكنها تحقق عائدا كبيرا على المدى البعيد لأنها تقلل من تكاليف إدارة وصيانة الإنشاءات فضلا عن ميزة كونها عمارة خضراء مستدامة، كما أن اهتمام بعض المطورين بالنواحي الجمالية للمنشأ على حساب النواحي البيئية والاستدامة يُعد من أحد التحديات".
اشتراطات مطلوبة
وأكدت المسؤولة المصرية، مي عبد الحميد، أن هناك عددا من المعايير الواجب توافرها في بناء العمارات الخضراء، مثل زراعة أوجه وأسطح العمارات، وتركيب خلايا طاقة شمسية أعلى كل عمارة، واستخدام منظومة المياه الرمادية، واستخدام مواد صديقة للبيئة في التشطيبات مثل استخدام المونة البيضاء بدلًا من المونة الأسمنتية.
وتستهدف مصر بناء 25 ألف وحدة إسكان خضراء حتى نهاية عام 2023، وذلك في خمس مدن مصرية، ضمن مبادرات صندوق الإسكان ودعم التمويل العقاري التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وعلق الخبير الدولي أن "مراعاة الاشتراطات البيئية في المشاريع العمرانية ستكون واحدة من أهم المعايير التنافسية الهامة في تلك القطاعات خلال القرن الواحد والعشرين، والتي تعكس الاهتمام المتنامي لدى القطاعات العمرانية بقضايا التنمية الاقتصادية في ظل حماية البيئة، وخفض استهلاك الطاقة، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، والاعتماد بشكل أكبر على مصادر الطاقة الجديدة و المتجددة".
ولفت إلى أنه "يلزم أيضا الاستفادة من الطاقات الجديدة والمتجددة على مستوى المشروعات التخطيطية والتصميم الحضري، والعمل على التوزيع الأمثل لعناصر استغلال الأراضي في تخطيط العام الجديد، بحيث تقل مسافات رحلات النقل، وبخاصة بين المناطق السكنية وأماكن العمل، إضافة إلى وضع الحلول المحفزة لاستخدام النقل الجماعي والنقل الذكي تحقيقا للسيولة المرورية".
مواد بناء بديلة
وأوضح الخبير أن المواد البناء البديلة قد تمثل ثورة، خاصة تكنولوجيا الطابعات ثلاثية الأبعاد بديلا مثاليا لمواد البناء التقليدية.
وأكد أن "استخدام هذه التقنية يخفض عدد العمال لأكثر من 95 بالمئة، كما توفر أيضا أطنانا من ألواح الخشب، لأن الطابعة ثلاثية الأبعاد لا تحتاج سقالات".
إلا أن طنطاوي عاد وأكد أن المواد المستخدمة في البناء باستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد تُصنع أساسًا من النفايات الصلبة من مصانع الصلب ومحطات الفحم ومواقع البناء بالمدن، ثم تُحوَّل لحبيبات ويتم معالجتها لتغذي بها الطابعة ثلاثية الأبعاد وتحتاج، كشأن الخرسانة، إلى كميات من الرمال".
ويضيف: "بدلا من معالجة المخلفات الصلبة، قد يكون من الأفضل تجديد المباني الموجودة بالفعل واستخدامها في أغراض أخرى، وتشجيع استخدام مواد البناء المعاد تدويرها والمواد قليلة الاستهلاك للطاقة، وإنشاء قاعدة بيانات لجميع مجالات صناعة الإنشاءات وربطها بخطة التنمية العمرانية المستهدفة".
وأوضح أنَّ "المعايير التي تنتهجها وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة والمجلس الوطني للعمارة الخضراء في مصر من شأنها تعظيم استخدام الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية في عمليات التدفئة والتسخين واستخدام نظم الإنارة الطبيعية والذكية وتعظيم استخدام الموارد المائية كل ذلك من شأنه أن يخفض الانبعاثات والملوثات سواء السمعية أو البصرية أو الجوية".