تعرف الأقاليم الجنوبية للمغرب، خلال الفترة الأخيرة، ارتفاعا في وتيرة الزيارات والمهمات الاستطلاعية لمستثمرين من كل بقاع العالم.
وتستقطب كلا من مدينتي العيون والداخلة عددا من المشاريع الكبرى التي سترى النور قريبا، والتي من شأنها أن تنهض بالجهة الجنوبية للمملكة وتنقلها إلى مصاف المراكز التجارية الكبرى في المنطقة.
وفي هذا السياق، أفاد روبرت يوردزيجيك، رئيس البعثة الاقتصادية البولونية للمغرب، خلال استعراضه حصيلة الزيارة الأخيرة التي قامت بها البعثة الاقتصادية للمملكة، أن قطبا اقتصاديا عملاقا بصدد التشكل في الأقاليم الجنوبية للمغرب، ستكون له انعكاسات مفيدة على ملايين الأشخاص الذين يعيشون في القارة الإفريقية.
وأضاف المتحدث أنه يجري تشييد أكبر ميناء للشحن العابر على المستوى الإفريقي بالداخلة، إلى جائب بنية تحتية قوية قيد الإنشاء مخصصة لمصانع الإنتاج المستقبلية.
مركز اقتصادي عالمي
يُجمع متابعو الشأن الاقتصادي بالمغرب، أنه بفضل الإنجازات الكبرى الجارية، ستصبح الجهة الجنوبية للمملكة في السنوات القادمة مركزا اقتصاديا على غرار دبي وهونغ كونغ وسنغافورة، وهو ما يفتح شهية شركات كبرى مهتمة بهذا الصعود، وتطمح إلى ولوج سلس إلى السوق الإفريقية.
وعلى سبيل المثال، فإن أول مشروع سيتم تنفيذه في المغرب من طرف مستثمرين بولنديين، يتعلق بافتتاح تمثيلية لمقاولة "فلاي أغرو"، المتخصصة في تصنيع الطائرات المروحية الخفيفة. وستشرع الشركة في توظيف مهندسين مغاربة لتنفيذ مشاريع بحث وتطوير في صناعة الطيران.
تعليقا على الموضوع، قال الاقتصادي ادريس الفينا، إنه من الجلي أن الصحراء المغربية تسجل خلال السنوات الأخيرة معدلات نمو مرتفعة، لا سيما منطقة الداخلة التي عرفت خلال السنوات الخمس الأخيرة قفزة كبيرة.
وتابع الخبير في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، أن "هذا النمو راجع لما تزخر به من إمكانيات؛ فالفلاحة عرفت تطورا ملحوظا، كما أن مشاريع إنتاج الطاقات النظيفة في تزايد".
إلى جانب ذلك، لفت الدكتور الفينا إلى أهمية الواجهة البحرية الكبيرة "التي تتميز بها المناطق الجنوبية للمملكة، وهي تعد وجهة سياحية واعدة، تثير اهتمام عدد متزايد من الأوروبيين، بحكم قربها الجغرافي من القارة العجوز".
وذكر المتحدث أن "المغرب دشن مجموعة من المشاريع الكبرى في المناطق الجنوبية، من بينها الطريق السريع الذي سيربط تزنيت بمدينة الداخلة، الذي يندرج في إطار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية الذي أعطى انطلاقته الملك محمد السادس بمناسبة تخليد الذكرى الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء".
وتجدر الاشارة إلى أن هذا المشروع، شكل موضوع اتفاقية شراكة وقعت شهر فبراير 2015 بين ثلاث وزارات هي وزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية ووزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء فضلا عن أربع جهات، وذلك بمبلغ إجمالي يناهز 8.5 مليار درهم.
منصة إلكترونية لجلب الاستثمارات
في خضم الزخم الكبير الذي تعرفه الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، تم اليوم الأربعاء، إطلاق منصة "العيون كونيكت"، وهي مبادرة تمولها الحكومة الأميركية لتحفيز الاستثمار والتسويق الترابي بجهة العيون – الساقية الحمراء.
وحسب بلاغ للمركز الجهوي للاستثمار بالعيون – الساقية الحمراء، اطلعت عليه "سكاي نيوز عربية"، يأتي إطلاق هذه المنصة التي تندرج في إطار مشروع "تشجيع الفرص الاقتصادية بالداخلة والعيون"، الممول من طرف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، عبر مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية.
المشروع، المنجز من طرف مكتب الدراسات والاستشارات الدولية جي آوستن وشركاؤه، الذي يتخذ من واشنطن مقرا له والرباط مكتبا إقليميا له، يهدف من خلال هذه المنصة الرقمية، تسليط الضوء على المؤهلات والثروات الاقتصادية للعيون.
وتتوخى المنصة، حسب المصدر ذاته، تيسير فرص التبادل وإمكانات الاستثمار والتعاون الاقتصادي على الصعيدين الوطني والدولي في عدة مجالات رئيسية، لاسيما الصيد البحري وتربية الأحياء المائية، والسياحة، والاقتصاد الأزرق، والطاقات المتجددة، واللوجيسيتك.
دور كبير سيلعبه ميناء الداخلة
إلى جانب تقديم الدعم للمستثمرين في الأقاليم الجنوبية، قامت الرباط أيضا بالتفكير في إنشاء ميناء ضخم لتيسير تدفق السلع ومواكبة المشاريع التي يتم تدشينها بعدد من المدن الصحراوية.
ويعتبر الميناء الجديد الداخلة الأطلسي مشروعا رائدا من ضمن المشاريع التنموية المدرجة في إطار النموذج الجديد لتنمية الأقاليم الجنوبية للمملكة، طبقا لتعليمات الملك محمد السادس.
وذكر بلاغ لوزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، اطلعت عليه "سكاي نيوز عربية" أن هذا المشروع الضخم الذي كان موضوع اتفاقية خاصة تم توقيعها أمام الملك في فبراير 2016، يندرج في إطار تعليمات العاهل المغربي، والتي أكد عليها في خطابه بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء.
وشدد الملك في خطابه أنه "وانطلاقا من هذه الرؤية، ستكون الواجهة الأطلسية، بجنوب المملكة، قبالة الصحراء المغربية، واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي. فإضافة إلى ميناء طنجة -المتوسط، الذي يحتل مركز الصدارة، بين موانئ إفريقيا، سيساهم ميناء الداخلة الأطلسي، في تعزيز هذا التوجه".
وأضاف الملك "سنواصل العمل على تطوير اقتصاد بحري حقيقي، بهذه الأقاليم العزيزة علينا؛ لما تتوفر عليه، في برها وبحرها، من موارد وإمكانات، كفيلة بجعلها جسرا وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي".