تشهد قرى وبلدات لبنانية منذ مطلع شهر سبتمبر الجاري ظاهرة جديدة، هي جمع الحطب من أشجار السنديان والليمون الزيتون والجوز، وتقطيعه من أجل استخدامه للتدفئة في فصل الشتاء، عوضا عن المازوت الذي بات شحيحا وبعيدا عن متناول معظم اللبنانيين.
وأصيبت مظاهر الحياة اليومية بالشلل تقريبا في لبنان مع قرب نفاد الوقود، حيث لا يمتلك البلد الغارق في الأزمات السيولة اللازمة من الدولارات لشرائه.
ولا تولد شركة الكهرباء المملوكة للدولة سوى الحد الأدنى من الكهرباء، مما يجعل الشركات والأسر تعتمد بالكامل تقريبا على المولدات الصغيرة الخاصة التي تعمل بزيت الوقود، الشحيح أيضا.
وقال الحاج أبو هيثم في إحدى قرى الجنوب الشرقي للبنان لموقع "سكاي نيوز عربية" مستخدما المثل الدارج: "الدفا عفا ولو بعز الصيف"، وأضاف: "من خلال خبرتنا، من المتوقع أن تكون السنة المقبلة باردة جدا، ومن المحتمل أن تشهد عواصف محملة بالأمطار والثلوج في أعالي جبال لبنان".
وفسر أبو هيثم توقعاته بوجود "إشارات برزت خلال الصيف، أبرزها الظهور الكثيف لحشرة الزرقط الشبيهة بالنحل"، وفق خبرة المزارع السابقة التي ورثها من الأجداد.
وخوفا من المجهول الآتي، تشهد صناعة مدافئ الحطب في مناطق عدة في لبنان، منها الشوف وجرود البقاع وحاصبيا والمتن الأعلى وبشري ومحيط الأرز شمالي البلاد، ازدهارا ملحوظا، ويبقى سعرها أقل من المدافئ الأخرى التي تعمل بالكهرباء، والمستوردة التي تباع بالدولار.
وأكد المواطن زياد رحال لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الحد الأدنى لاستهلاك كل بيت في سهل البقاع أو الجبل يبلغ حوالي ألف لتر من المازوت، أي ما يعادل 5 براميل للتدفئة سنويا، وكان المواطن في البقاع والجبال المرتفعة يشتري البرميل الواحد بـ120 ألف ليرة، لكنه يكلف حاليا حوالي 3 ملايين ليرة في حال توفره".
وقال: "المشكلة تتمثل بعدم توفر المازوت أيضا، فكيف ستمضي العائلات فصل الشتاء في الجبال؟".
لكن يبدو أن الحطب أيضا لن يكون متاحا للجميع بالسهولة التي كان عليها من قبل، نظرا لمستجدات أخرى بعضها يرتبط بشح الوقود أيضا.
فقد أضاف رحال: "كان سعر الطن الواحد من الحطب يبلغ 200 ألف ليرة، وكان ينقل من مناطق الساحل في جنوب لبنان إلى المناطق الداخلية في البقاع والجبل، ومصدره بساتين البرتقال الساحلية، والآن وصل سعره إلى مليونين و300 ألف ليرة، وغير متوفر نظرا لانقطاع المازوت وتعثر عملية النقل من جنوب لبنان وساحله إلى الجبال والمناطق المرتفعة".
وأردف: "الدولة ممثلة بالبلديات في كافة المحافظات تمنع قطع الأشجار الحرجية للحفاظ على البيئة، وقد بدأت بعض البلديات بتسيير دورياتها لمنع قطع الأشجار، إلا أن القطع جار لبعض الأشجار المعمرة، والبعض يسرقها خفية عن أصحاب الأرض. وهناك صعوبة في تأمين التدفئة بالشتاء المقبل خصوصا في المناطق الجردية العالية، ناهيك عن أزمة المدارس في تلك المناطق إذ يستحيل فتحها دون تأمين التدفئة".
وقال حكمت، وهو أحد سكان محافظة جبل لبنان: "منطقتنا معروفة بالبرد القارس في الشتاء، لذلك نعتمد على الحطب لمقاومة الصقيع، ومعدل مصروف عائلة في بلدتنا من مؤونة الحطب لا يقل عن 6 أطنان خلال فصل الشتاء، ولحينه لا نعرف كيف سنؤمن هذه الكمية في ظل الفوضى السائدة".
كما قال مختار من بلدة شبعا الحدودية التي تعلو 1800 متر عن سطح البحر لموقع "سكاي نيوز عربية": "هنا يبدأ فصل الشتاء باكرا مع بدء شهر أكتوبر ويستمر لغاية شهر أبريل، أي ما معدله 7 أشهر من البرد القارس وتساقط الثلوج، وجرت العادة أن يحتاج كل بيت إلى نحو 9 براميل من مادة المازوت، وفعليا يكون بحاجة إلى قرابة 30 مليون ليرة لبنانية".
وأضاف: "بسبب عدم توفر مادة المازوت يلجأ أهالي البلدة والبلدات المجاورة لاستبدال التدفئة على المازوت بالحطب، فكل بيت يحتاج إلى 6 أطنان من الحطب أي حوالي 12 مليون ليرة لبنانية، وهذا نصف تكلفة المازوت، لذا نشهد اليوم هذا التهافت على شراء الحطب".
وكانت تقارير صحفية محلية أشارت إلى أن أزمة المازوت وصلت إلى "الخط الأحمر" في لبنان، حيث لا بواخر عند الساحل والكميات المتبقية منه تكفي فقط حتى نهاية الأسبوع الجاري.
فيما علم موقع "سكاي نيوز عربية" من مصادر خاصة، أنه لا خطة موضوعة حتى الآن فيما يخص رفع الدعم عن المحروقات، وسط توقعات بأيام صعبة تنتظر اللبنانيين فيما يخص مادة البنزين أيضا.