تشبه غبارا أبيض يتناثر على نبتة الصبار، حشرة صغيرة جدا تلتهم هكتارات من هذا النبات الشوكي الذي يعشق المغاربة فاكهته المشهورة التي تسمى حسب الجهات بـ"الهندية" أو "الكرموس الهندي" أو "الزعبول"، ويعرف في مناطق أخرى بـ"التين الشوكي"، حلوة المذاق تنعش أيام الصيف الحارة.
بين تضاريس منطقة أكزا لوحماد، التي نحتتها الطبيعة بجهة كلميم واد نون جنوبي المغرب، زحفت الحشرة القرمزية على محاصيل الصبار وحولت فاكهتها إلى عملة نادرة.
أحمد، مزارع يقطن بالمنطقة من بين من يعانون زحف هذه الحشرة على محاصيلهم بسبب سرعة الرياح وشدتها، وقال في لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الحشرة القرمزية دمرت محاصيل السنة الماضية من التين الشوكي وتركته من دون أي مدخول، بحيث كان يعتمد كثيرا على المداخيل التي يجنيها من الفاكهة الموسمية للعيش.
كما قال إدريس، وهو فلاح يعيش بدوار الريفي بمدينة كلميم، إنه يعتمد في مواجهته لـ"الكوشني"، وهي التسمية المحلية لهذا "الوحش الأبيض"، على قلع نبات الصبار وتطهير محيطه، عبر الحرص على وصول الأدوية إلى عمق النبات.
مرض "حديث"
وتصيب الحشرة القرمزية الصبار فقط دون غيره من النباتات، وقد ظهرت أواخر سنة 2015 في المغرب، لونها أحمر داكن وتفرز سائل "الكرمن"، واستوطنت الحشرة عددا من المناطق الزراعية المغربية قادمة من المكسيك والولايات المتحدة.
وحسب الخبراء، فإن آلية تكاثر الحشرة القرمزية تعقد طرق التصدي لها، حيث تضع الإناث بيضها بعد التزاوج، وسرعان ما يتحول إلى حوريات دقيقة تفرز مادة شمعية بيضاء على أجسامها لحمايتها من ارتفاع درجات الحرارة وشح المياه، ويظهر الصبار حينها كأنه تم طلاؤه بمسحوق أبيض.
وكشفت وزارة الفلاحة المغربية في بيان لها اطلع عليه موقع "سكاي نيوز عربية"، أنه قد تم الإبلاغ عنها لأول مرة بدوار سانية برجيج بإقليم سيدي بنور غربي المغرب، حيث دمرت الحشرة القرمزية مجموع الإنتاج من الصبار بهذه المنطقة، لتنتشر بسرعة كبيرة وغير متوقعة إلى مناطق الإنتاج الأخرى عبر أنحاء البلاد.
ويضيف البيان: "مباشرة بعد تشخيص هذه الآفة، تفاعلت الوزارة بشكل فوري معها من أجل احتوائها والحد من انتشارها. إلا أنه، في ظل عدم وجود حلول معروفة لمنع انتشارها ووقف الدمار الذي سببته الآفة على المستويين الوطني والدولي، وضعت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات خطة طوارئ رئيسية لمكافحة آفة الحشرة القرمزية سنة 2016، بالموازاة مع إجراءات المعالجة الكيميائية واقتلاع ودفن نباتات الصبار المصابة بالكامل".
جهود متواصلة
طورت السلطات المغربية برنامجا للقضاء على الحشرة القرمزية وحماية نبتة الصبار، وترتكز خطة وزارة الزراعة على البحث العلمي من أجل انتقاء الأصناف المقاومة وتطوير منتجات المعالجة، حيث تم إسناد هذا البرنامج للمعهد الوطني للبحث الزراعي بشراكة مع المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي والمديريات الجهوية للفلاحة والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية والمكتب الوطني للاستشارة الفلاحية.
وتركز الجهود المبذولة على 3 جبهات رئيسية: المكافحة البيولوجية، والمبيدات الحيوية، وانتقاء أصناف الصبار المقاومة للحشرة، وقد تم تشييد البنية التحتية الموازية على مساحة 4 هكتارات بمحطة الاستثمار الفلاحي للمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لدكالة بالزمامرة.
إلى جانب ذلك، يواكب المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية والفلاحية التابع للوزارة الوصية عن طريق توفير الأدوية للفلاحين، بشكل مستمر ومن دون انقطاع، من أجل التصدي لزحف الحشرة القرمزية.
عزيز بيهمو، فلاح ينحدر من دوار أنامر بإقليم سيدي إفني، وهو واحد من المستفيدين من الأدوية بعد أن تأثرت محاصيله الزراعية من إنتاج التين الشوكي.
ويقول المزارع إن مجهودات الدولة آتت أُكلها، فهي "توفر لهم الأدوية بالمجان بالإضافة إلى آلات ضخ المحلول واللباس الخاص بذلك لتفادي لمسها لجلد الفلاح أو استنشاقها".
وتكبد مزارعون يجاورونه خسائر مادية جسيمة، فما يسرع انتقال الحشرة القرمزية وسط هذه الحقول عدم تفاعل كافة أصحاب الأراضي بالشكل نفسه مع المحاصيل الزراعية لحمايتها من زحف الآفة.
وبيهمو حريص على اتباع تعليمات السلطات بشكل دقيق واستخدام الوسائل التي يحصل عليها بشكل دوري من المكتب لمواجهة إفساد الحشرة القرمزية لمحاصيله الزراعية، سواء خلال المساء أو في الساعات الأولى من كل يوم يداوم على رش نبات الصبار لديه بالأدوية اللازمة، لكنه يشكو إهمال بعض الفلاحين المجاورين للأراضي الحاضنة لنبات الصبار.
طائرات ومعدات ضخمة
مجهودات المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية في المغرب لا تتوقف عند إقامة دوريات عند مداخل المناطق الزراعية بالجهة، بل تواكب الفلاحين خلال عمليات القلع الموصى بها لإيقاف زحف الحشرة القرمزية والحد من خطرها على باقي الأراضي المجاورة.
كما أن المكتب التابع لوزارة الفلاحة، يعتمد أيضا على طائرات لرش الأراضي الزراعية بالأدوية اللازمة والمقاوِمة للحشرة القرمزية، وهي وسائل يضعها المكتب رهن إشارة الفلاحين بالمنطقة من أجل رش محاصيلهم الزراعية والأراضي بالأدوية المقاومة، للحد من امتصاص الحشرة لسوائل نبات الصبار وجفافها وموتها بعد ذلك، مما يجعل الفاكهة غير صالحة للاستهلاك.
أصناف مقاوِمة
وحددت وزارة الفلاحة 8 أصناف للصبار مقاومة للحشرة القرمزية مدرجة في المصنف الرسمي للأصناف النباتية، وذلك في إطار البحث الزراعي في مجال مكافحة هذه الحشرة المدمرة.
وكشفت الوزارة أن برنامج الانتقاء مكن من التوصل إلى نتائج حاسمة من خلال تحديد 8 أصناف من الصبار مقاومة للحشرة القرمزية من بين مجموعة أصناف تنتمي للمعهد الوطني للبحث الزراعي، مشيرة إلى أن هذه الأصناف هي: مرجانة وبلارة وكرامة وغالية وأنجاد والشراطية وأقرية وملك الزهر.
وبعد التحقق من ثبات مقاومتها، تم تسجيل الأصناف الثمانية التي تم تحديدها من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، في مذكرة رسمية للأنواع والأصناف النباتية بالمغرب.