تستعد الحكومة المغربية التي يقودها حزب العدالة والتنمية لرفع الدعم تدريجيا عن الغاز والسكر والدقيق، في إطار إصلاح صندوق المقاصة الذي يحافظ على أسعار عدد من المواد الأساسية من تقلبات السوق. إصلاح من شأنه تحرير الأسعار وتخفيف الإنفاق الحكومي على هذه المواد، التي تثقل كاهل الميزانية.
وقال محمد بنشعبون وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة إن الحكومة وضعت من أولويات مشروع قانون المالية لسنة 2022 الشروع في "الإصلاح التدريجي لصندوق المقاصة وفقا لمقتضيات القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية وضمان تمويل هذا الإصلاح الاجتماعي وخاصة تعميم التعويضات العائلية".
رفع الدعم على مراحل
في معرض مداخلته أمام النواب، قال بنشعبون الأربعاء الماضي خلال تقديمه لعرض حول "تنفيذ ميزانية سنة 2021 وإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2022" بالبرلمان، إن المرحلة الأولى ستكون خلال سنة 2022 سيتم فيها التحرير التدريجي للسكر والتقليص من الحصيص المحدد من الدقيق الوطني للقمح اللين.
وبخصوص المرحلة الثانية، يضيف بنشعبون: "ستكون سنة 2023 حيث سيتم فيها التحرير الكلي للحصيص المحدد من الدقيق الوطني للقمح اللين والسكر القالب والسكر المجزء و50 في المئة من غاز البوتان".
كما أكد أن "المرحلة الأخيرة ستكون سنة 2024 سيتم من خلالها التحرير الكلي لغاز البوتان".
وزاد المسؤول الحكومي أنه "من بين أولويات مشروع قانون المالية لسنة 2022 توطيد أسس إنعاش الاقتصاد الوطني وتعزيز آليات الادماج وتعميم الحماية الاجتماعية وتقوية الرأسمال البشري وإصلاح القطاع العام وتعزيز اليات الحكامة".
كما يطمح مشروع قانون مالية 2022 إلى "توسيع الوعاء الضريبي وتحسين التحصيل في إطار تنزيل مقتضيات القانون الإطار المتعلق بإصلاح النظام الجبائي وإرساء مولرد ضريبية جديدة لتمويل تعميم الحماية الاجتماعية ومواصلة تطوير التمويلات المبتكرة".
ضرب للقدرة الشرائية
وتساءل مراقبون حول عواقب هذه الخطوة التي تعتزم حكومة العدالة والتنمية برئاسة سعد الدين العثماني الإقدام عليها في موازنة السنة المقبلة، وإن كانت ستوفر بدائل ملموسة لتعويض الفئات التي قد تتضرر من رفع الدعم عن هذه المواد الأساسية.
في تعليقه على هذه الخطة، اعتبر رشيد لزرق، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أن "رفع الدعم عن المنتوجات الأساسية يضع المواطن وجها لوجه مع التقلبات الإقتصادية ويرمي به بين براثن الشركات؛ وهو ما يضع قدرته الشرائية على المحك، ويجعله رهينا بتغيرات السوق وعرضة لعدد من المؤشرات البعيدة عنه".
وأضاف في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية": "الإقدام على هذه الخطوة هو اتباع لليبرالية متوحشة وتنزيل مخططات المؤسسات الدولية المانحة، دون دراسة عواقبها".
وعوض ذلك، اقترح أستاذ العلوم السياسية، أن تقوم الحكومات القادمة بفتح مرحلة جديدة، تؤدي إلى انفراج اجتماعي على جميع الأصعدة، وتؤسس لمرحلة المحاسبة ومواجهة مخلفات القرارات الخاطئة التي اتخذتها سابقاتها".
وخلص لزرق إلى "ضرورة محاسبة الحكومة التي توشك ولايتها على الانتهاء، لما تسببت فيه من تراجع اقتصادي وإفلاس مالي وجعل البلاد في وضعية تبعية ومديونية".
خطوة ضرورية
إذا كان متابعون يرون في خطوة الحكومة التي تعتزم تطبيقها تدريجيا ابتداء من السنة المقبلة، مغامرة تهدد جيوب الفقراء، فإن البعض الآخر يعتبرها مبادرة ضرورية لا مفر منها لدعم الاقتصاد وتخفيف إنفاق الحكومة.
وفي هذا السياق، قال ادريس الفينا، أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، إن هذه الإصلاحات ليست وليدة الأمس، بل تم إطلاقها في عهد الحكومة السابقة التي كان يرأسها عبد الإله بنكيران. وتم ربط إصلاح صندوق المقاصة بإطلاق التغطية الاجتماعية الشاملة".
وزاد الفينا في حديثه مع "سكاي نيوز عربية" أن الحكومة أطلقت مجموعة من الآليات لمواكبة إصلاح صندوق المقاصة ورفع الدعم عن بعض المواد، لاستهداف الطبقات الفقيرة وتقديم الدعم لها".
كما شدد أستاذ الاقتصاد على ضرورة وضع حد لما أسماه "الدعم الأعمى" الذي كانت تمارسه الحكومات السابقة، أي استفادة شركات وفلاحين كبار من مواد مدعمة من طرف صندوق المقاصة".
وأضاف المتحدث أن رفع الدعم وتعويضه بالسجل الاجتماعي سيمكن من توجيه الإعانات للفئات الهشة التي تستحقها، عوض استفادة الجميع بما في ذلك الشركات الكبرى".
مليار دولار سنة 2020
تجدر الإشارة إلى أن كلفة دعم غاز البوتان والسكر بلغت 11,94 مليار درهم برسم سنة 2020، مقابل 12,91 مليار درهم خلال سنة 2019.
وأوضح صندوق المقاصة في نشرة إخبارية، بأن كلفة دعم غاز البوتان بلغت سنة 2020 ما مجموعه 8,6 مليار درهم مقابل 9,5 مليار درهم سنة 2019، أي بانخفاض قدره 9 في المئة، مشيرا إلى أن هذا الانخفاض يعزى إلى تراجع أسعار غاز البوتان ودعم الوحدة بنسبة 13 في المئة خلال هذه الفترة.
وسجلت النشرة أن كلفة الدعم المتعلقة بالسكر، سواء من حيث الكميات أو القيمة، والمتعلقة بسنة 2020، عرفت انخفاضا بنسبة 5 في المئة مقارنة بسنة 2019. وبذلك، بلغت هذه الكلفة 3,2 مليار درهم متم دجنبر الماضي مقابل 3,4 مليار درهم خلال سنة 2019.
من جهة أخرى، أكد صندوق المقاصة أن أداء مستحقات ملفات دعم منتوجات غاز البوتان والسكر، عند متم دجنبر 2020، فاق 11,05 مليار درهم، منها 8,3 مليار درهم لغاز البوتان و2,7 مليار درهم للسكر.
من جانبها، بلغت مستحقات ملفات دعم غاز البوتان والسكر، عند الفترة ذاتها، 3,4 مليار درهم، منها 2,1 مليار درهم لغاز البوتان، و1,3 مليار درهم للسكر.