غابت مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى عن كافة المناطق اللبنانية هذا العام، بسبب ما تعيشه البلاد من انهيار تام لكافة القطاعات دون استثناء، إلى جانب الضائقة الاقتصادية الخانقة نتيجة تدهور سعر صرف الليرة والغلاء الفاحش في الأسعار، الذي طال المواد الغذائية والاستهلاكية والمحروقات.
ويشكل عيد الأضحى إحدى المناسبات الدينية التي عادة ما يتجلى فيها التكافل الاجتماعي والأضاحي في لبنان، كما في غيره من البلدان العربية، لكن الوضع تغيّر في "بلاد الأرز" هذا العام.
وأصبحت تلك المظاهر تقتصر على بعض المغتربين الذين قدموا خصيصا إلى لبنان، ومنهم من حضرت جهوده رغم الغياب القسري، إضافة إلى بعض الجمعيات الإغاثية التي تقوم بتأمين الاحتياجات الإنسانية في حدودها الدنيا.
جمود وخيبة
وقال صاحب محلات للألبسة والأحذية في سوق برالياس بمنطقة البقاع الأوسط، يوسف أبو نوح، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "وضعنا كارثي.. لا تتجاوز نسبة الحركة (بالسوق) 5 بالمئة، فيما المستهلك لا يتقبل السعر الجديد والتغييرات اليومية السريعة لسعر صرف الدولار، التي تظهر واضحة في أسعار الألبسة والأحذية".
وأضاف: "إذا بعنا 10 قطع لا يمكننا إعادة شرائها مجددا. رأس مالنا يتهاوى أمام أعيننا.. في عيد الفطر كان سعر صرف الدولار في حدود 12 ألف ليرة، وكان الوضع أفضل مما يعيشه لبنان اليوم في ظل سعر صرف يقفز بين اللحظة والأخرى ويبلغ حاليا حوالي 22 ألف ليرة".
وتابع أبو نوح: "المستهلك تحول نحو (المتاجر الأوروبية) التي تبيع الملابس المستعملة (البالة)".
بين المغترب والمقيم
من جانبه، قال خادم مسجد المنصوري الكبير في مدينة طرابلس، محمود النابلسي، وهو أب لثلاثة أبناء: "بكل أدب واحترام، تم اختيارنا من قبل مندوبين عن (تجمع مغتربي طرابلس.. عيدنا واحد) وهي مجموعة قيل لنا إنها تضم أبناء من المدينة، من المغتربين المنتشرين حول العالم".
وتابع لموقع "سكاي نيوز عربية": "تم توزيع العيدية على الأطفال، وحصلنا على قسيمة لشراء كسوة العيد، كما أسعدنا خبر تزويدنا بالأدوية"، منوها إلى "التنظيم المميز" لهذا التجمع الذي كسا العديد من عائلات المدينة وأطفالهم.
وتابع النابلسي: "لولا جهود هؤلاء، وأنا لا أعرف من هم، لما تمكنت من إدخال البهجة إلى قلوب أولادي".
وأعرب النابلسي عن أمله في أن يحاول التجار ورجال الأعمال، خلق فرص عمل لأبناء طرابلس، كما طالب "التجمع" برفع شكوى نيابة عن المقيمين، ضد السياسيين، إلى هيئة الأمم المتحدة، أملا في أن تعمم هذه التجربة على كافة المناطق اللبنانية".
صيدا
وبدوره، قال نائب أمين سر جمعية تجار مدينة صيدا، جنوبي لبنان، وائل قصب: "مشكلة كبيرة تكمن في فقدان مادة المازوت من الأسواق. نعمل على توزيع المازوت على المستشفيات والمحلات التجارية، إلا أننا نعاني من نقص حاد، مما يؤثر سلبا على إضاءة السوق والمتاجر".
واستطرد لموقع "سكاي نيوز عربية": "للمرة الأولى في موسم الأعياد لا تفتح أسواق صيدا ليلا، في الأسبوع الذي يسبق العيد لم نستطع تأمين المازوت للمتاجر، إلا لساعات قليلة".
وتابع: "يعاني اللبنانيون من ضعف القدرة الشرائية، في ظل سعر صرف الدولار الذي تخطى عتبة الـ23 ألف ليرة، وتقتصر الحركة على المغتربين. الوضع مأساوي ويفتش رب الأسرة عن المتاجر التي تبيع حاجيات رخيصة من منشأ آسيوي، ينسحب الأمر على محلات الحلويات التي أقفلت معظمها. لا بهجة للعيد مع غياب تام للزينة ".
أما المواطن عثمان صعب، فأكد أن "الحركة معدومة في الأسواق، باستثناء بعض المغتربين، خاصة بعد ذوبان القدرة الشرائية لدى المواطنين. الجولة في الأسواق باتت غالباً (للفرجة) ليس أكثر".
كما قال المتخصص في الاقتصاد، رائد الخطيب: "الوضع كارثي على الطبقة الوسطى التي انحدر مستواها لتصبح أكثر فقرا، فراتب الموظف المجاز الذي يبلغ حوالي 3 ملايين ليرة، كان يوازي قبل الأزمة حوالي 2000 دولار، وصار حاليا 140 دولارا".
وأضاف: "أي أن دخله اليومي صار لا يتعدى 5 دولارات. ويتراجع الراتب إلى مستوى أقل في بلد لا يتعدى الحد الأدنى للأجور فيه 750 ألف ليرة، وهو ما يعادل 30 دولارا شهريا، وهذا يعني دولارا واحدا في اليوم، وهذه كارثة بحد ذاتها".
أما عن حركة الأسواق، فأوضح الخطيب أنها "جامدة، ويسعى التاجر دائما إلى رفع سعر السلعة، مما يعمق الأزمة، كما تواكبها مشكلات اجتماعية وتوترات"، كتلك التي تحصل في طرابلس، إذ يسجل التراجع أكثر من 90 بالمئة، بعد أن توقف أبناء المناطق المجاورة عن زيارة المدينة بسب فقدان مادة البنزين والارتفاع الفاحش في أسعار الملابس ومستلزمات العيد".
واختتم الرجل حديثه إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، بالتأكيد على أن إنفاق المواطن اللبناني "صار يذهب أكثر نحو توفير الطعام وتأمين الأدوية الضروية".