عاد مشروع الربط القاري إلى واجهة الأحداث مجددا، مع عودة مدريد والرباط إلى طاولة المحادثات بهذا الخصوص الأسبوع الماضي.
وتُسارع إسبانيا إلى نفض الغبار على هذا المشروع القديم الجديد، الذي لا يزال يراوح مكانه منذ أزيد من أربعة عقود.
وأعطى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، دفعة جديدة لهذا المشروع الذي يرمي إلى الربط بين القارتين الإفريقية والأوروبية، عن طريق معبر ثابت، بل وأصبح موضوع منافسة بين مدريد ولندن.
وتسعى هاتين الدولتين إلى كسب رهان فتح أسواق جديدة في القارة السمراء مرورا بالمغرب الذي يعتبر بوابة لإفريقيا وحلقة وصل بين القارتين.
تنافس محموم
وشكل إعادة تنشيط مشروع الربط الثابت عبر مضيق جبل طارق محور اجتماع عقده، الأربعاء 21 أبريل، عبر تقنية المناظرة الرقمية، وزير التجهيز والنقل والإمدادات المغربي عبد القادر أعمارة مع وزير النقل والأجندة الحضرية الإسباني خوسي لويس أبالوس.
وشكل هذا اللقاء، مناسبة تطرق خلالها الجانبان إلى موضوع إعادة تنشيط مشروع الربط الثابت عبر مضيق جبل طارق، بالدعوة إلى عقد اجتماع حكومي مشترك جديد، إذ كان آخر لقاء قد عقد في طنجة عام 2009.
وبهذه المناسبة، أكد أعمارة على أن مشروع بناء ربط ثابت بين المغرب وإسبانيا لن يتيح الربط بين دولتين فحسب، بل بين قارتين أيضا، مسجلا أن المغرب سيكون بمثابة حلقة الوصل بين أوروبا وإفريقيا.
ويتعلق الأمر بحسب الوزير بمشروع هيكلي للسنوات المقبلة وورش استراتيجي للبلدين، مسلطا الضوء على دينامية الشركتين المكلفتين بالمشروع، حيث تقوم هذه المقاولات، بالفعل، بدراسة لتحليل بعض الجوانب التقنية للموقع.
كما تطرقت المحادثات إلى سبل التعاون الثنائي في مجالات البنيات التحتية والنقل البري والبحري واللوجستيك.
وفي هذا الصدد، يعمل الجانبان على وضع الصيغة النهائية لمشروع مذكرة تفاهم للتعاون التقني.
وعلق تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي بالرباط ونائب رئيس مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، على هذه التجاذبات بين مدريد ولندن قائلا: "هناك منافسة شرسة بين الدولتين. والمشروع القديم والأول هو مشروع المتوسط الذي كان يفترض أن يقوم به المغرب وإسبانيا. بل وأُنشئت بنيات أساسية للتفكير فيه، وشرعت شركات مشتركة للدراسات في إعداد المشروع".
وتابع: "بقي الوصول إلى مرحلة التنفيذ، وهل سيكون الجسر متحركا فوق المياه أو على شكل نفق. وجاءت مرحلة من الزمن توقف كل هذا بين البلدين".
وذكر الحسيني في حديث لـ"سكاي نيوز عربية": "اليوم إذا سمعت إسبانيا ما يجري من تفاهمات مع بريطانيا بهذا الخصوص، قد تعود إلى الواجهة، فهدفها في الأخير استرجاع جبل طارق."
واستطرد أستاذ القانون الدولي: "ما حدث مؤخرا من استدعاء للسفير الإسباني بالرباط، ليس من شأنه أن يؤثر بأي حال من الأحوال على علاقات الشراكة القائمة بين البلدين في كل المجالات. وخلُص المتحدث إلى أن "بين المغرب وإسبانيا نوع من العلاقة المتوترة المرنة بين حين وآخر وهو شيء اعتيادي".
جعجعة بلا طحين
فكرة مشروع الربط الثابت ليست جديدة، بل تعود إلى أكثر من أربعة عقود من الآن، حيث عبر المغرب وإسبانيا، في عدة مناسبات عن رغبتهما في إطلاق هذا الورش، على غرار النفق تحت الماء الرابط بين فرنسا وإنجلترا، إلا أن المشروع لم ير حتى الآن، وبقي حبيس المجالس المغلقة.
وفي السنوات الأخيرة عادت فكرة هذا المشروع بقوة إلى الواجهة، وقد عبر المسؤولون المغاربة ونظراؤهم الإسبان عن تفاؤلهم بخصوص إمكانية إنجاز المشروع، خاصة في ظل التطور التكنولوجي الحالي، ووجود العديد من الشركات العالمية القادرة على إنجاز مثل هذه المشاريع الكبرى.
وسيُساهم إحداث هذا النفق في تسريع وتيرة العبور بين المغرب وإسبانيا، إضافة إلى تنويع الطرق والمعابر لنقل البضائع بين البلدين والقارتين الأوروبية والإفريقية بصفة عامة.
وتزامنا مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أكد عدد من الخبراء أن إسبانيا أضحت قلقة من خطط لندن، وتوجهها لإنشاء تحالفات استراتيجية جديدة وإعادة ترتيب أوراقها الديبلوماسية، لا سيما مع إفريقيا.
وتطرقت صحيفة "إل إسبانيول" في عددها الصادر في 4 يناير 2021، تحت عنوان "ربط المغرب مع جبل طارق عن طريق نفق تحت المضيق خطوة من شأنها الإضرار بإسبانيا" إلى موضوع بناء جسر تحت الماء بين القارتين.
وذكّرت الصحيفة الإسبانية بأن مشروعًا مماثلاً كان مطروحاً بين الرباط ومدريد منذ 42 عامًا، حيث شُكلت لجنة مشتركة لبحث أهمية توحيد القارتين، لكن المبادرة تعثرت وبقيت مجرد حبر على ورق.
واسترسلت الصحيفة: "الآن يمكن أن يتحقق هذا المشروع بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث وجهت الحكومة البريطانية انتباهها، في هذا السياق الدولي الجديد، نحو المغرب وإفريقيا، مع تنامي الرغبة في تجسيد مشروع ربط مضيق جبل طارق مع شمال المغرب بجسر أو نفق يمكن أن يعبر البحر لنحو 20 كيلومتراً ويوحد البلدين".
وسبق أن وقع العاهلان المغربي الراحل الحسن الثاني والإسباني السابق خوان كارلوس، على اتفاقية بهذا الشأن، خلال زيارة هذا الأخير للرباط عام 1979، جرى بموجبها إنشاء شركتين لدراسات الربط القاري عبر مضيق جبل طارق، الأولى إسبانية والثانية مغربية، حيث عقدت اجتماعات مختلطة إلى أن توقفت عن اللقاء عام 2009.
وأبدت صحيفة "إل إسبانيول" بعض التحفظ على هذا المشروع، متسائلةً بشأن تاريخ الشروع في بناءه، وتكلفته والمدة الزمنية التي سيتطلبها تشييد هذا الورش العملاق على طول 14 كيلومترا، لافتةً إلى أن تغطية مصاريف المشروع، قد تتم عن طريق وضع ميزانية مشتركة بين البلدان الثلاثة المعنية: المغرب وإسبانيا وبريطانيا (جبل طارق).
المغرب بوابة بريطانيا على إفريقيا
تعوّل بريطانيا كثيرا على المغرب باعتباره يمثل بوابة نحو إفريقيا ومنصة مفتوحة على الاستثمارات والمشاريع التنموية، خاصة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي وما يرافقه من بحث عن شركاء جدد وتنويع خارطة التحالفات.
وقال تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي بالرباط، لـ"سكاي نيوز عربية": "هناك مؤشرات تقول أن التعاون سيأخذ طريقه بين بريطانيا والمغرب، أكثر من إسبانيا. هناك حاليا مشروع لشركة بريطانية ستمد خطا بحوالي 3800 كلم لنقل الكهرباء من المغرب وهو أكبر خط في العالم. وهناك أيضا شركات بريطانية ستستثمر في منصات الكهرباء الربحية والصفائح الشمسية جنوبي المملكة".
وقد وقع المغرب اتفاقا تجاريا مع بريطانيا عام 2019، استباقا لانسحاب المملكة المتحدة من التكتل القاري لاحتواء التأثير المتوقع لهذه المغادرة الطوعية، تهدف الرباط من خلاله إلى تطوير علاقاتها الثنائية مع لندن، لا سيما على الصعيدين التجاري والاقتصادي.
وقال الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، محسن الجزولي، في تصريح على هامش حوار الاعمال بين المغرب والمملكة المتحدة الذي انعقد في العاصمة البريطانية لندن في مطلع يناير من عام 2020، إن المملكة المتحدة تعتزم جعل المغرب قطبا وبوابة لإفريقيا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وأكد الجزولي أن المغرب والمملكة المتحدة بصدد "كتابة صفحة جديدة في تاريخ" علاقاتهما الاقتصادية، مضيفاً أن "بريطانيا التي تغادر الاتحاد الأوروبي، بعد أن وقعت مع المملكة اتفاقية شراكة للاستمرارية الاقتصادية، تعتزم جعل المغرب دولة محورية وبوابة إلى إفريقيا لتعزيز استثماراتها وصادراتها إلى القارة".
وبخصوص مجالات الاستثمار، أكد الجزولي أن "التركيز ينصب على القطاع المالي طالما أن هناك عمليات جيدة تم إجراؤها"، مشيرا إلى أن بنكا مغربيا اشترى لأول مرة جزء من بنك إنجليزي في إفريقيا، بينما هناك صندوق بريطاني يستثمر في بنك مغربي للتطور في إفريقيا.
وأبرز الجزولي أن هناك قطاعات "تحظى باهتمام كبير من جانب المجتمع الاقتصادي البريطاني، لا سيما الطاقات المتجددة مع التجربة الناجحة لمازن" والمشاريع المغربية الأخرى في نفس المجال.