تفاؤل بتعافٍ تدريجي للاقتصاد الليبي على وقع الخطوات المُتخذة ضمن المسار السياسي، عبّرت عنها تقارير مؤسسات دولية، من بينها صندوق النقد الدولي الذي أعلن في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الأخير عن توقعاته بتعافي الاقتصاد في ليبيا، وتحقيق نسبة نمو أعلى من 5 بالمئة العام المقبل.
وكان البنك الدولي في أحدث تقاريره عن ليبيا قد تحدث عن "ثمة تفاؤل حذر بشأن جهود التعافي ورأب الصدع، لكن لا تزال هناك مخاطر كبيرة تهدد تلك المساعي".
وفي السياق، يحدد محللون وخبراء اقتصاد ليبيون، أبعاد التوقعات المتفائلة بتعافي الاقتصاد، بعد أن "سجل في معظم العام 2020 أسوأ أداء له على الإطلاق" بحسب تقرير للبنك الدولي، مشيرين إلى أن ارتفاع معدلات إنتاج النفط وكذلك استقرار أسعاره عالمياً من بين أبرز العوامل الدافعة بتوقعات إيجابية، وذلك إلى جانب التطورات السياسية التي شهدها البلد في إطار المسار السياسي.
لكن بموازاة ذلك ثمة عديد من التحديات والعقبات التي تلف مصير اقتصاد ليبيا، سواء تلك المرتبطة أساساً بتداعيات الصراع وانعكاساته السلبية على جميع القطاعات وعلى البنى الأساسية، أو تلك المرتبطة بجوهر الاقتصاد نفسه القائم على العائدات النفطية بالأساس، في الوقت الذي يقول فيه البنك الدولي إنه "من المرجح أن يستمر الاعتماد الشديد للمالية الحكومية على الإيرادات الهيدروكربونية إلى أن تنجح ليبيا في تنويع أنشطة اقتصادها"، وهي مهمة وصفها بـ "الضخمة".
سببان رئيسيان
ويعزي الخبير الاقتصادي الليبي، عضو الفريق الاقتصادي لمؤتمر برلين حول ليبيا، فوزي عمار، أسباب توقعات تعافي الاقتصادي الليبي بشكل أسرع إلى عاملين رئيسيين؛ العامل الأول هو ارتفاع كمية النفط المُنتج في ليبيا.
وبلغ إنتاج ليبيا من النفط في شهر مارس الماضي 1.283 مليون برميل يومياً من النفط الخام، طبقاً للتقرير الشهري عن سوق النفط للمجموعة المنتجة، وبحسب موقع Hellenic Shipping.
بينما السبب الثاني وفق ما يحدده عمار في تصريحات خاصة لموقع سكاي نيوز عربية، مرتبط بارتفاع سعر النفط عالمياً، لكنه في الوقت نفسه يشرح عدداً من العقبات التي تلف مصير انطلاقة الاقتصاد الليبي بموازاة المسار السياسي الحالي.
وفي فبراير، حققت ليبيا إيرادات من النفط بلغت مليارا و235 ألف دولار عن الشهر الماضي، وذلك بانخفاض نحو 175 ألف دولار عن الشهر السابق عليه.
ويحدد الخبير الاقتصادي الليبي أبرز العقبات في "تهالك البنية التحتية لقطاع النفط، وضرورة التطوير الذي يتطلب عودة الشركات الأجنبية في ظل الظروف التي تشهدها ليبيا"، وذلك كعقبة أو تحد أساسي يواجه الاقتصاد الليبي في المستقبل المنظور.
وحول ما إن كان الاقتصاد الليبي قادراً على تحقيق التوقعات الخاصة بتعافيه على نحو أسرع من عدمه، يقول عضو الفريق الاقتصادي لمؤتمر برلين حول ليبيا: "هذا يعتمد على مدى توفر المخصصات المالية من الميزانية التي طلبتها حكومة الدبيبة، وكذلك حالة الاستقرار الأمني، وعودة الشركات الأجنبية".
توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى تعافي الاقتصاد بنسبة 130 بالمئة (على أساس سنوي) مقارنة بما شهده العام الماضي من انكماش (بنسبة -59 بالمئة). كما أشارت الترجيحات إلى وصول نسبة التضخم في 2021 إلى 18 بالمئة وإلى 4 بالمئة في 2026 (بعد أن سجلت 22 بالمئة في ترجيحات العام 2020). وطبقاً لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر الشهر الجاري، فإن توقعات حجم الإنفاق الحكومي في ليبيا تصل إلى 71 مليار دينار.
الاستقرار السياسي
والملف الاقتصادي عموماً يتأثر بحالة الاستقرار السياسي في البلد، ولذلك فبسبب انقسام المؤسسات التنفيذية والعسكرية سابقاً حدث أثر سلبي على الاقتصاد، توقف معه تصدير النفط إلى خارج البلاد، وقد بلغ الدين العام 260 بالمئة من الناتج المحلي، كما انعكست التداعيات السلبية الناتجة عن حالة الصراع السياسي والعسكري الاقتصاد الليبي القائم بنسبة تصل إلى 95 بالمئة على الإيرادات النفطية، وانعكس ذلك أيضاً على مفاصل الاقتصاد، وفق الخبير الاقتصادي الليبي الدكتور محمد الحمروني، الذي يشير إلى بيانات أفصح عنها مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، كشفت عن أن الدين العام في العام الماضي 2020 بلغ 84 مليار دينار (نحو 60 مليار دولار)، ما يعادل 260 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي تصور الحمروني، فإنه "إذا استمر هذا الوضع المشار إليه سيؤدي إلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وسوف يتأثر سلباً القطاعان العام والخاص (..) ولكن يمكن معالجة ذلك من خلال إصلاح السياسات الاقتصادية وإصلاح إدارة المؤسسات المالية".
ويوضح في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية أن "اهتمام حكومة الدبيبة بالجانب الاقتصادي بشكل كبير سيؤدي إلى انتعاش في العام الجاري مع بلوغ معدل النمو 3.1 بالمئة، وقد نشهد انخفاضاً ملحوظاً في أسعار أغلب السلع الأساسية التي زادت أسعارها بأكثر من 50 بالمئة في العام 2020 ويعود ذلك إلى القيود التي فرضها المصرف المركزي وكذلك انتشار كورونا التي أدت إلى تفاقم الأزمة".
ويشرح الخبير الاقتصادي الليبي أبرز العقبات التي تواجه اقتصاد بلاده، بداية من قضايا الفساد المالي التي حدثت خلال السنوات الماضية، والتي "بلا شك ستكون عقبة أمام الإصلاح الاقتصادي من قبل مجموعة المستفيدين والمتغولين في نهب المال العام بطرق غير مشروعة ويضاف لهذه العقبات مسألة الأمن والاستقرار كمطلبين أساسيين لتعافي الاقتصاد الوطني".
ويعتقد بأن معدل التضخم في الاقتصادي الليبي مرشح للانخفاض "حال أحكمت حكومة الوحدة الوطنية التعامل بضوابط شديدة مع مصرف ليبيا المركزي واعتماد معايير تحد من تفشي الفساد في المؤسسات المالية، وإيجاد بدائل للدخل الوطني العام ومعالجة الترهلات التي أصابت الاقتصاد الليبي خلال فترة حكومة الوفاق الوطني".
ويلفت الحمروني بموازاة ذلك إلى سعي كبرى الشركات العالمية الآن من أجل الدخول للسوق الليبية وتنفيذ عدة مشاريع استثمارية تشجع الاقتصاد الليبي على الانتعاش وتعافيه "وهذا أيضاً حسب ما توقعه صندوق النقد الدولي والذي توقع تعافي الاقتصادي الليبي سريعاً، وقد وقعت حكومة الوحدة الوطنية عدة عقود مع بعض الشركات التي توقف عملها في ليبيا منذ 2011 كما عادت المشاريع المتوقفة في ليبيا (..) ولا ننسي تصريحات رئيس الوزراء ووعوده بعودة 18000 ألف رافعة كانت تعمل في المشاريع التنموية في 2011 للعمل من جديد".
مشكلة مركبة
وعلى رغم توقعات التعافي التدريجي، المرهونة بالاستقرار السياسي، إلا أن أستاذ علم الاقتصاد بالجامعة المفتوحة في ليبيا، الخبير الاقتصادي د. يوسف يخلف، يقول إن "ليبيا تعاني من مشكلة مركبة"، مشيراً في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية، إلى عدة عوامل رئيسية عززت تلك المشكلات التي تفاقمت في الفترة من (2011-2021)، والتي أدت إلى "تشوه جوهري لمؤشرات الاقتصاد الكلية"، ومن أبرزها معاناته من مشاكل التضخم الركودي.
ويلفت إلى أن “معدلات النمو الاقتصادي الظاهرة بالتقارير الرسمية ما هي إلا نتائج موارد طبيعية لا علاقة لصانع القرار الاقتصادي الليبي بها"، مشيراً إلى ما شهدته السنوات الماضية من "عشوائية وارتجالية إقرار الترتيبات المالية".
ويوضح الخبير الاقتصادي الليبي أن المؤشرات الكلية الخاصة بالاقتصاد تعكس عمق الأزمة وتشعبها، ففيما يتعلق بالنمو الاقتصادي، فإنه -في ظل الواقع الحالي- لا توجد رؤية أو خطة للإنفاق العام، ما تسبب سابقاً في هدر مئات المليارات خلال الفترة 2012- 2020، دون ظهور أثر لها على نمو الاقتصاد الليبي. بينما على صعيد مؤشرات التضخم فإن "حالة عدم الاستقرار السياسي والعنف والفساد لها أثر طردي على معدل التضخم بالمدى الطويل، ما يفاقم أزمة عدم استقرار المستوى العام للأسعار بالاقتصاد الليبي (..) وكذلك الأمر نفسه في ما يتعلق بميزان المدفوعات، وأيضاً فيما يتعلق بمعدلات البطالة، والتي بلغت نحو 22 بالمئة العام الجاري".
ويرصد الأكاديمي الليبي في معرض حديثه مع موقع سكاي نيوز عربية، ركائز رئيسية للخروج من النفق يعتقد بأنها أساسية لمعالجة الاختلالات المتراكمة على مدار السنوات الماضية، أولها "الاستقرار السياسي والمؤسساتي والاجتماعي"، باعتبار أنه العامل الرئيس للبدء في العمل على إحداث تنمية مستدامة. العامل الثاني مرتبط بـ "ضرورة العمل تنويع مصادر الدخل"، بينما الركيزة الثالثة متعلقة بحتمية النظر للاقتصاد الليبي على أساس أنه بوضع مثالي للعمل وفق استراتيجيات الاقتصاد الحر.