لم تنقطع مطالب العاملين بقطاع النفط في ليبيا، الذين ينادون بتحسين أحوالهم فيما يتعلق بالأجور والمرتبات، وهي المطالب التي عادة ما تأتي مصحوبة بتهديدات بوقف الإنتاج، في ظل اعتماد الاقتصاد الليبي على النفط كمصدر أساسي للدخل.
المطالب الفئوية التي دأب عاملون في قطاع النفط في ليبيا على تحريكها، والتهديد بإجراءات عملية من شأنها شل حركة الإنتاج، كان آخرها ما لوّح به منتسبو جهاز حرس المنشآت النفطية في حقل الشرارة النفطي (أكبر حقول النفط في البلاد الذي تبلغ الاحتياطيات به نحو 3 مليارات برميل نفط) بإيقاف النفط في الحقول والموانئ كافة.
وأرجع منتسبو الجهاز في بيان لهم تلك المطالب، إلى توقف أو تأخير صرف المرتبات، مطالبين في الوقت نفسه بضرورة "إعادة العلاوة المخصومة".
ووضع المحتجون سقفا زمنيا محددا للاستجابة لمطالبهم "في بحر أسبوعين"، من أجل ضمهم وتسوية أوضاعهم أسوة بزملائهم من النظاميين والموظفين المدنيين.
احتجاجات متكررة
"هذه ليست المرة الأولى التي يلوح فيها حرس المنشآت النفطية وعاملون بالقطاع بوقف إنتاج النفط"، طبقا لما يؤكده في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، الخبير الاقتصادي الليبي علي الصلح.
وأشار إلى أن "الموضوع متكرر لنفس السبب، وهو مسألة الأجور والمرتبات، وبالتالي فإنه ينبغي على حكومة الوحدة الوطنية الحالية أن تكون لديها آلية مناسبة لصرف المرتبات لجميع العاملين بالدولة، بشكل طبيعي ومستمر".
وقبل شهر، كان العاملون بقطاع النفط، عبر نقابتهم العامة، قد هددوا باتخاذ إجراءات تصعيدية تضمنت بدء مرحلة الاعتصام وإيقاف العمل بالمرافق النفطية وخفض الإنتاج، وذلك من أجل الضغط لتنفيذ مطالبهم المستمرة، بتنفيذ القرار رقم 642 لسنة 2013، القاضي بزيادة مرتبات العاملين في قطاع النفط وتنفيذ البرامج الطبية والمعيشية لهم، وفق ما يقره القانون.
واعتبر الخبير الاقتصادي الليبي، أن مثل هذه المعضلة ومسألة توقف المرتبات وما يصاحب ذلك من إجراءات خاصة واحتجاجات، "يؤثر سلبا على الاقتصاد الليبي، وبالتالي فإن أي إيقاف للنفط في الفترة الحالية يعد إيقافا لمصدر التمويل والدخل الوحيد للدولة الليبية، في ظل الفجوة الاقتصادية الحالية والدين العام، مع عدم وجود استدامة مالية".
وتابع: "بالتالي الأمر له العديد من الآثار السلبية، سواء على المنتج والمستهلك في ليبيا، مما ينعكس أيضا على حالة الاستقرار السياسي التي من المهم أن يصاحبها استقرار في الإنتاج، خاصة بعد استقرار الأسعار العالمية لبرميل النفط".
المرتبات
وقبل أيام، أصدرت النقابة العامة للنفط بيانا أوضحت فيه بشكل عام أبعاد مطالب العاملين بالقطاع. وجاء ضمن البيان: "ما انفكت النقابة في التواصل المستمر مع المؤسسة الوطنية للنفط لتحسين أوضاع العاملين بكل المستويات الإدارية (...) المفاجأة جاءت بإصدار قرار بشأن ضوابط مزايا شاغلي الوظائف الإشرافية القيادية دون تضمين باقي الوظائف".
وتابع البيان: "الأمر الذي كان له انعكاس سلبي على شريحة كبيرة من العمال الكادين، الذين يشتغلون في أسوأ الظروف، ويقع عليهم العبء الأكبر في تحقيق الإنتاج، مما يخلق نوعا من التذمر وعدم الارتياح بصفوف شريحة كبيرة من العمال، تفوق الـ90 بالمئة".
وبموازاة ذلك، يشير الخبير الاقتصادي الليبي في معرض تصريحاته إلى أن ملف المرتبات، ولا سيما فيما يتعلق بقطاع النفط، "بحاجة للعديد من الإجراءات من قبل الحكومة، فيما يخص المالية العامة في ليبيا، والعمل على إعادة هيكلة الميزانية، بحيث ضمان حصول الموظفين والمنتسبين بالجهاز الإداري للدولة في كل القطاعات على أجورهم في الوقت المناسب، وبما يتناسب أيضا مع المستوى العام للأسعار".
وفي الثامن من أبريل الجاري، استقبل وزير النفط والغاز الليبي، عددا من النقابيين من مستخدمي القطاع من بعض الشركات النفطية، في إطار مناقشة بعض المشاكل والتحديات التي يعاني منها مستخدمو القطاع، والنظرة الجادة السريعة لإيجاد الحلول لها.
وفي فبراير، حققت ليبيا إيرادات من النفط بلغت مليارا و235 ألف دولار عن الشهر الماضي، وذلك بانخفاض نحو 175 ألف دولار عن الشهر السابق عليه.
يأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه مصدر مسؤول بنقابة العاملين بالنفط في ليبيا، في تصريح سابق لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن مطالب العاملين بمختلف درجاتهم مستمرة منذ فترة تزيد عن العام، ولم تلق أي استجابة من الجهات المعنية، وبالتالي "يلجأ العاملون لمثل هذه الإجراءات -التهديد بالإقفال ووقف الإنتاج- بعد أن أغلقت الأبواب في وجوههم"، مشيرا إلى أنهم "ضد الإقفال أو المساس بقوت الشعب الليبي، لكنهم مضطرون لتصعيد إجراءاتهم للحصول على حقوقهم".
معضلة اقتصادية
تسلط تلك الأزمة الضوء على واحدة من معضلات الاقتصاد الليبي، لجهة اعتماده بشكل أساسي على الإنتاج النفطي. وهي الأزمة العامة التي يتحدث عنها الخبير الاقتصادي الليبي الدكتور يوسف مسعود، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية".
واعتبر أن "الإقفال المتكرر للحقول النفطية، أظهر هشاشة وضعف متخذ القرار الاقتصادي"، في إشارة لفترة إقفال النفط وما صاحبها من تأثيرات شديدة على الاقتصاد بشكل عام.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن الاقتصاد الليبي يفتقد "تنويع مصادر الدخل وإحداث قيمة مضافة للدخل عبرها، وبالتالي عند تعرض المورد الطبيعي لصدمة محلية عبر إقفال جزء من الموانئ النفطية، ظهرت حقيقة ما يسوق له أنه نمو اقتصادي، وفي الحقيقة هو ناتج عن بيع النفط فقط، وأن ما يسمى استثمارات محلية وخارجية ما هي إلا بالوعة لهدر المال العام"، على حد وصفه.