أفاد تقرير رسمي صدر مؤخرا عن مؤسسة تابعة لوزارة الاقتصاد والمالية وتحديث الإدارة، بأن الاستثمارات المغربية في القارة الإفريقية انتقلت من 907 ملايين درهم عام 2007 إلى 5.4 مليار درهم عام 2019.
وأوضح المصدر ذاته، أن هذه الاستثمارات تتكون، بشكل أساسي، من استثمارات مباشرة في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، في أكثر من 14 دولة على رأسها كوت ديفوار، وتشاد والسنغال ومدغشقر والكاميرون وموريشيوس.
وعلق هشام حافظ، الباحث بمعهد الدراسات الأفريقية وجامعة محمد الخامس بالرباط في تصريح لسكاي نيوز عربية قائلا: “المغرب اليوم يعد المستثمر الأفريقي الأول في القارة، والأرقام تثبت ذلك. أما ما يميز الاستثمارات المغربية في أفريقيا فهو الطابع الاستراتيجي، بحيث أن كل هذه الاستثمارات تندرج في إطار رؤية استراتيجية مُحكمة تم بلورتها منذ عام 2000 والتي تسعى إلى الاستثمار في المجالات الحيوية والاستراتيجية حسب رؤية بعيدة المدى."
وأضاف "أفريقيا اليوم في حاجة إلى تطوير القطاع البنكي لتسهيل ولوج الشركات الصغيرة والمتوسطة للتمويل، كما تحتاج القارة إلى تطوير صناعة الأدوية، وتقوية البنيات التحتية، والكهرباء والسكن، وإلى تحسين المردودية الفلاحية. وهنا تكمن قوة الاستثمارات المغربية، لأنها تستجيب لهذه النقائص وتستثمر فيها بهدف تحسين ظروف المواطنين الأفارقة."
رابح - رابح
وكثّف المغرب، منذ سنوات، تواجده في عدد من الدول الإفريقية من خلال مضاعفة الاستثمارات والاتفاقيات. وقام العاهل المغربي الملك محمد السادس بسلسلة من الجولات للدفع بمسلسل التعاون الأفريقي إلى الأمام، في إطار المعادلة الاقتصادية رابح - رابح، والتي تنهض على رؤيةٍ استراتيجية، عمادها نسج الشراكات القوية بين المغرب ودول أفريقية، خصوصاً في جناحها الغربي.
ويسعى المغرب أيضا إلى قيام تكتل اقتصادي في القارة السمراء، قادر على التفاوض والدفاع على المصالح الحيوية للقارة، كما أن هذه الاستراتيجية المرتبطة بأسلوب حكم الملك محمد السادس تتأسّس على البحث عن شركاء جدد، في إطار سياسة التعدد التي بات ينتهجها المغرب في علاقاته الاقتصادية والتجارية، على الأصعدة الدولية والقارية والإقليمية.
وتعليقا على الموضوع، قال خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، في حديث لسكاي نيوز عربية: "تتميز الاستثمارات المغربية في إفريقيا بالتنوع. فعندما نلقي إطلالة على المجالات الاستثمارية الكبرى، نجد قطاعات البنوك والفلاحة والمعادن والخدمات في المُقدمة. وهو ما يعنى أن هناك تنوعا وأن الاستثمار في أفريقيا ليس رهينا بالعلاقات السياسية مع بعض الدول، رغم الخلافات التي يمكن أن تكون حاضرة في بعض الأحيان، فالمغرب يضع كل هذا على الهامش، ويُقبل على التعاون والاستثمار".
واستطرد الشيات، قائلا: "مهمة المغرب داخل أفريقيا ليست بالهينة، فهو يلاقي منافسة شرسة من دول عظمى تستثمر في ثروات القارة، وقد تكون أحيانا هذه الاستثمارات أشبه بالاستغلال، بحيث لا تستفيد منها الدول الأفريقية المعنية. أما المغرب فعلى عكس ذلك، يشتغل مع الدول الأفريقية بمنطق رابح - رابح. بل ويركز على الجانب الاجتماعي، عن طريق خلق فرص شغل للشباب، ودعم الفلاحة وانتاج الطاقات المتجددة. وهي خطة تُمكن من ضمان الاستقرار الاجتماعي بهذه الدول وتجنب الفوضى والاجرام، وكذلك اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية. ولهذا فالاستثمارات المغربية تلقى إعجابا وترحيبا من طرف عدد كبير من الدول لا سيما الأوروبية..
صادرات بـ21.6 مليار درهم
وفي السياق، أفادت مديرية الدراسات والتوقعات المالية، التابعة لوزارة المالية، أن الصادرات المغربية إلى القارة الإفريقية زادت بنسبة 11 في المئة في المتوسط السنوي، لتبلغ 21,6 مليار درهم في 2019، أي ما يمثل 7,7 في المائة من إجمالي صادرات المغرب مقابل 3,7 في المائة في عام 2000.
وتتكون هذه الصادرات، أساسا، من المنتجات شبه المصنعة، والمنتجات الغذائية والمشروبات والتبغ، والمنتجات الاستهلاكية النهائية، ومنتجات المعدات الصناعية الجاهزة ومنتجات الطاقة ومواد التشحيم.
وحسب التقرير ذاته، فقد سجلت الواردات ارتفاعا بنسبة 9 في المائة في المتوسط السنوي، لتبلغ 17,9 مليار درهم في عام 2019.
وأشار التقرير إلى أن "المغرب لم يتوقف، منذ استقلاله، عن إعادة تأكيد توجهه الأفريقي، من خلال وضع القارة على رأس أولوياته الاستراتيجية، حيث عملت المملكة، بنشاط، على تعزيز علاقات التعاون مع دول قارتها، عبر توطيد علاقاتها السياسية وتنويع الشراكات في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك".
وأكد التقرير أن "الاستراتيجية الاقتصادية التي ينتهجها المغرب تجاه شركائه في القارة تهدف إلى جعل المملكة مركزا إقليميا يخدم التنمية المشتركة في المجالات ذات الاهتمام المشترك (التنمية البشرية، الأمن الغذائي، البنية التحتية، التنمية المالية والطاقات المتجددة..).
وبهذا الصدد، علق الأستاذ هشام حافظ، الباحث بمعهد الدراسات الأفريقية وجامعة محمد الخامس بالرباط، في معرض تصريح لسكاي نيوز عربية: "المغرب يتأقلم مع خصوصيات ومؤهلات الدول المستقبلة بصفة خاصة وباقي الجهات الأفريقية بصفة عامة. فعلى سبيل المثال حضور المغرب في أفريقيا الشرقية خاصة في إثيوبيا عبر استثمارات في صناعة الأسمدة لم يكن بالصدفة، لأن المنطقة تعاني من ضعف المردودية الفلاحية. وكذلك الشأن بالنسبة لمشروع أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا الذي سوف يمر عبر ثلاث عشرة دولة، فهو مشروع استراتيجي ستستفيد منه أفريقيا الغربية.".
دور بارز للبنوك المغربية
واتفق خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، مع هذا الموقف، مؤكدا أن المغرب فتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار في القارة السمراء، إلى جانب القطاع العام. مبرزا أن البنوك المغربية ساهمت في بروز القوة الاقتصادية المغربية، وأعطت زخما للاستثمارات التي أطلقها لفائدة الدول الإفريقية.
ولاحظ تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجي والأمني أميركي "ستراتفور" في يناير 2019، أنه "في ظل الاختفاء التدريجي للبنوك الأوروبية من أفريقيا، التي كانت مهيمنة على الاقتصاد منذ زمن، بات المغرب يوظف ثرواته المالية لإبراز قوته في جميع أنحاء القارة أملا في أن يصبح بلدا أكثر ثراء ونفوذا على الصعيد الدولي. لكن المغرب لا يزال بحاجة إلى معالجة مشاكله الداخلية في حال كان يرغب في أن يظل أكثر الدول استقرارا في المنطقة".
وأضاف التقرير ذاته: "تبسط البنوك المغربية نفوذها في أفريقيا وتمتلك حاليا فروعا وحصص أسهم في أكثر من 20 دولة أفريقية. وفي حين أن معظم هذه الفروع التابعة لها تتواجد في غرب أفريقيا، فإن شراء بنك باركليز مصر سنة 2016 من قبل أكبر بنك في المغرب " التجاري وفا بنك" يشير إلى نية البنوك المغربية في التوسع في جميع أنحاء القارة..
وتعمل البنوك المغربية على الاندماج بشكل أكثر عمقا في جميع أنحاء أفريقيا، بينما تلعب دورا رائدا بالنسبة الشركات المغربية الكبيرة والمتوسطة التي تسعى للحصول على فرص في الأسواق الإفريقية الواعدة.