فقد الجنيه السوداني الثلاثاء ما يقارب 10 بالمئة من قيمته خلال ساعات معدودة في تعاملات، الثلاثاء، إذ بلغ سعر الدولار الواحد 365 جنيها مقابل 330 جنيها في تعاملات اليوم السابق، مما أصاب معظم قطاعات الاقتصاد بشلل كامل مع توقف عمليات بيع وشراء العديد من المنتجات الاستهلاكية.

وسادت حالة من الاستغراب بسبب صمت الحكومة ورفضها تغيير العملة بحجة الكلفة المرتفعة لعملية التغيير، والتي قدرتها وزيرة المالية هبة محمد علي بـ600 مليون دولار.

ويرى الكثيرون أن تغيير العملة ضرورة ملحة في ظل وجود سيولة ضخمة خارج سيطرة النظام المصرفي تستخدم في المضاربات، إضافة إلى وجود كميات ضخمة من العملات المزورة وهو ما اعترفت به الحكومة نفسها في وقت سابق، على لسان الناطق الرسمي باسمها.

وحذر خبراء ومتعاملين من خطورة الانهيار الحالي للجنيه السوداني على مجمل الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد. ولم تصدر أي جهة حكومية حتى وقت إعداد هذا التقرير أي تبرير محدد على الرغم من أن بعض المتعاملين حملوا جزءا من الأزمة لطلبيات حكومية كبيرة.

أخبار ذات صلة

حمدوك يتسلم الترشيحات الوزراية من "الحرية والتغيير"
السودان.. تشكيل حكومي مأزوم وانهيار اقتصادي وشيك

3 قنوات تمتص الدولار

وكشفت مقابلات أجراها موقع "سكاي نيوز عربية" مع عدد من صغار تجار العملة المنتشرين في شوارع منطقة السوق العربي، في وسط العاصمة الخرطوم عن 3 قنوات تصب فيها حصيلة المضاربات اليومية التي تصل في بعض الأحيان إلى مئات الملايين من الدولارات.

وبعد تردد في الإجابة على سؤالنا، قال تاجر يعمل بالقرب من سوق الذهب إن مصدر الطلبيات يتغير بين ساعة وأخرى لكن معظم الطلبيات الكبيرة تأتي إما من مشتريات حكومية أو شركات خاصة كبيرة تعمل في مجال الاتصالات وطحن الدقيق، مشيرا إلى أنه في هذه اللحظة يعمل مع آخرين لتامين طلبية بقيمة 5 ملايين دولار لأحد مطاحن الدقيق الكبرى.

أما القناة الثالثة والتي تستحوذ على حصة كبيرة من الطلبيات اليومية، هي المجموعات التي تعمل لصالح عدد من عناصر النظام السابق الذين يقومون بتسييل أصول وعقارات وأملاك تعود لتلك العناصر بهدف تهريب تلك الأموال إلى الخارج خوفا من الملاحقة القانونية.

وخلال مؤتمر اقتصادي عقد نهاية سبتمبر، اعتبر محمد أحمد البشرى نائب محافظ بنك السودان أن مشترياتها من النقد الأجنبي هي واحدة من أسباب تدهور الجنيه.

كارثة حقيقية

ويصف محمد الجاك، أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية، ما يحدث حاليا في أسواق النقد في السودان بالكارثة التي تهدد بشلل اقتصادي كامل.

ويقول الجاك لموقع سكاي نيوز عربية إن بروز قبضة السوق الموازي والأنشطة الرمادية يتطلب من الدولة اتخاذ إجراءات فورية تشمل وضع سياسات صارمة تضمن وقف أنشطة الوسطاء والمضاربين.

ويشدد الجاك على أن إصرار وزارة المالية والجهات المعنية على عدم تغيير العملة سيغذي موجة التضخم الجامح التي بدأت ملامحها تتكشف يوما بعد الآخر مع ارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 300 في المئة.

مضاربات غريبة

ويستبعد عبد الحليم البشير، وهو رجل أعمال يعمل في مجال الاستيراد والتصدير، أن يكون هناك أي دور للمستوردين في حالة الفوضى التي شهدها سوق النقد خلال الأيام الماضية، ويعزي السبب إلى مضاربات غريبة وغير مفهومة تقوم بها جهات عديدة، ويقول لموقع سكاي نيوز عربية إن معظم التجار توقفوا تماما عن الاستيراد في ظل هذا الانخفاض الحاد في قيمة العملة المحلية والذي ينعكس سلبا على حركة التجارة والاستهلاك.

ويستغرب البشير من عدم اتخاذ الحكومة حتى الآن للخطوات العاجلة التي يمكن أن توقف التدهور الحالي ومن أهمها تغيير العملة الذي يتيح امتصاص الكتلة النقدية الضخمة الهاربة من مظلة النظام المصرفي والمقدرة بنحو 90 تريليون جنيه والتي تقارب 90 بالمئة من مجمل الكتلة النقدية في البلاد والبالغة نحو 98 تريليون.

ويرى البشير أن تغيير العملة سيمكن البنك المركزي من السيطرة على جزء كبير من الأموال المستخدمة في المضاربات اليومية في سوق العملة وسيتيح للأجهزة المعنية التعرف على طبيعة الأموال التي كانت تستخدم خارج النظام المصرفي والتي يعتقد أن معظمها يعود إلى أنشطة فاسدة أو هاربة من النظام الضريبي.

التاجر والمستهلك

ويتسبب الوضع الحالي في ارتباك كبير للمستهلك الذي يجد نفسه أمام معضلة تصاعد يومي جنوني في أسعار السلع الأساسية، كما يربك حركة التجارة أيضا بشكل كبير.

وفي هذا السياق يقول محمود آدم، وهو موظف يعمل في إحدى الدوائر الحكومية، إن الحيرة تضرب الجميع بحيث أصبح من المعتاد أن يتغير سعر السلع الأساسية بشكل يومي، بل في بعض الأحيان أكثر من مرة في اليوم، ولا يتوقف الأمر على السلع المستوردة بل حتى المصنعة أو المنتجة محليا.

لكن وجدي جابر، وهو موزع قطع غيار، يشير إلى أن التاجر أيضا عاجز أمام التعامل مع هذه الوضعية الصعبة ويضطر لمحاولة التأقلم مع الانهيار المتواصل للجنيه لرفع أسعار السلع التي يبيعها بما يتماشى مع ارتفاع الدولار وإلا سيفقد القدرة على استيراد سلع جديدة.