نمو ملحوظ يشهده سوق العملات الرقمية خلال الآونة الأخيرة، تُوج بصعود تاريخي لقيمة عملة "بتكوين"؛ إذ تجاوزت قيمة الواحدة منها 41 ألف دولار أميركي، في التاسع من يناير الجاري، مما يعكس تزايد عدد الشركات والأفراد الذين يستثمرون في هذا الطريق.
ويمكن فهم العملات الرقمية وآلية عملها، بفهم طبيعة عملة البتكوين؛ التي يعرفها الموقع الإلكتروني الخاص بها بأنها "شبكة جامعة توفر نظام جديد للدفع، ونقود إلكترونية بشكل كامل، تتم إدارتها بالكامل من قبل مستخدميها دون أي سلطة مركزية أو وسطاء".
وأسس هذه العملة ساتوشي ناكاموتو، الذي برز اسمه للمرة الأولى بعد الإعلان عن فكرة بتكوين عام 2009، ثم اختفى صاحب هذا الاسم من ساحة تطوير عملة بيتكوين بشكل سريع عام 2010، بعد أن سلّم جميع مهامه المتعلقة بتطوير العملة وموقع الإنترنت الرئيس الخاص بها إلى أنشط المتطوعين في مجتمع بيتكوين.
ويتم إنشاء عملات البتكوين بمعدل متناقص؛ إذ يتناقص عدد عملات البتكوين الجديدة التي يتم إنشاؤها كل عام إلى النصف، حتى يتم إنشاء جميع عملات البتكوين على نحو كامل بإجمالي 21 مليون عملة في الوجود، وإلى الآن تمت طباعة 18.5 مليون عملة من إجمالي الـ 21 مليون وحدة.
صعود عالمي
الخبير الاقتصادي أحمد معطي يعزو صعود عملة البتكوين والعملات الرقمية إلى أربعة أسباب؛ أولها ارتفاع البطالة غير المسبوق بسبب جائحة كورونا، مما يدفع الأفراد إلى استثمارات أخرى حفاظًا على ثرواتهم.
ويضيف معطي لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن السبب الثاني يرجع إلى إقرار الدول للتحفيزات النقدية، وهي ببساطة طباعة البنوك المركزية للأموال.
وعلى سبيل المثال، فإن البنك الفيدرالي الأميركي طبع أموال بقيمة 2.3 تريليون دولار، لضخها في البنوك باعتبارها مساعدات للشركات والأفراد، وكذلك فعل الاتحاد الأوروبي.
ويتابع: "هذه المساعدات المالية دفعت الشركات إلى الاستثمار في العملات الرقمية، وتحديدا البتكوين"، نافيا بهذا التفسير أن يكون وراء الصعود التاريخي للبتكوين استثمار الأفراد فقط.
"أما السبب الثالث، فيعود إلى ندرة عملة بتكوين؛ إذ لا يتوفر منها سوى 21 مليون وحدة فقط، وفي ظل تزايد الطلب عليها ترتفع قيمتها بالتبعية"، بحسب الخبير الاقتصادي.
ويردف: "السبب الرابع يتمثل في نظرية (الفومو)، وهي نظرية اقتصادية تعني الخوف من ضياع الفرص، مما قد يدفع الأفراد إلى التسرع والانجرار إلى الاستثمار في العملات الرقمية، التي قاربت قيمتها السوقية حوالي تريليون دولار، في حين أن قيمة البتكوين فقط وصلت إلى 760 مليار دولار، وهو الأمر الذي أحدث حالة من الهوس بها".
السوق المصري
وإلى جانب الحسابات الاقتصادية المعقدة التي تجرى في أروقة كبرى الشركات العالمية، هناك نشاط متزايد وحركة دؤوبة تضج بها مجموعات متخصصة في تجارة العملات الرقمية على موقع فيسبوك في مصر والمنطقة العربية.
واشتهرت في هذا المجال 4 مجموعات موثوقة لدى من يتعاملون في تجارة العملات الرقمية، وعلى رأسها "البتكوين"، هي: "ملتقى بتكوين العرب"، ويتجاوز عدد أعضائه 47 ألف عضوا، و"ملتقى العملات الرقمية"، وعدد المشتركين به جاوز الـ40 ألف عضو.
إضافة إلى مجموعة (Arab Bitcoin Trader) التي يبلغ عدد مشتركيها حوالي 21 ألف مشترك، فيما لم يزد عدد المشتركين في مجموعة "بتكوين بالعربي" عن 3 آلاف مشترك.
وتشترك هذه المجموعات في وضع قواعد تعامل صارمة، تضمن بها الحد من حدوث مشكلات أو أي عمليات احتيال، من بينها طلب الوساطة من خلال إدارة المجموعة، وعدم التعامل بحسابات مزيفة، أو أسماء مستعارة.
كما تمنع إدارات هذه المجموعات نشر أي اتهامات تدخل في إطار التشهير، وتحث أعضاءها على اللجوء إلى الإدارة في حال حدث خلاف بين أي من الأعضاء، وتحذر أيضا من الاستهزاء بعروض الأعضاء إذا كانت قيمتها قليلة.
وتسهم هذه القواعد في توفير بيئة آمنة للمستثمرين، وجعل عمليات التداول أكثر مصداقية، خاصة للمستثمرين الجدد، بحسب ما قال أحمد زكريا، وهو أحد المستثمرين في مجال العملات الرقمية في مصر.
ويضيف زكريا في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الاستثمار في مجال العملات الرقمية يعد "أمرا واعدا، خاصة لمن بدأ الخوض في هذه الطريق مبكرا"، مشيرا إلى أنه باع سيارته وبعض الممتلكات حتى يتمكن من دخول هذا المجال عام 2016.
ويوضح المستثمر المصري آلية تعامل المستثمرين من خلال مجموعات فيسبوك، التي تكون في الأساس عبر وسيط موثوق لدى إدارة مجموعات فيسبوك.
وبعد تحديد الأسعار، يتم في الأغلب تحديد موعد لقاء بين المستثمر والوسيط، ويحدث هذا في البدايات فقط، لكن بعد بناء ثقة بين الطرفين، تتم تحويلات النقود دون حاجة إلى أية مقابلات.
ويشرح زكريا طريقة التعاملات المالية بين الوسيط والمستثمر، حيث يتم تحويل العملة الرقمية من خلال المنصات المخصصة لها إلى حساب الوسيط على نفس المنصة، ثم يحول الوسيط المقابل بالجنيه المصري على أحد الحسابات البنكية، أو يقوم بتسليم المبلغ نقديا حسب الاتفاق بين الطرفين.
وفي ظل عدم وجود قواعد قانونية تنظم آلية تداول العملات الرقمية، يلفت زكريا إلى أن أي تعاملات في مصر تتم على العملات الرقمية مقابل الدولار الأميركي، تُعرض أفراد هذه العملية للملاحقة الأمنية؛ حيث تتغاضى السلطات فقط عن التعامل بالجنيه المصري.
وضع قانوني غامض
وأقر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في سبتمبر الماضي، قانون البنك المركزي الجديد، الذي ينص في المادة (206) منه على حظر إنشاء أو تشغيل منصات لإصدار أو تداول العملات المشفرة أو النقود الرقمية، أو الترويج لها دون الحصول على ترخيص من مجلس إدارة البنك المركزي المصري، وفقا للقواعد والإجراءات التي يحددها.
وفي هذا السياق، تقول الخبيرة الاقتصادية والبرلمانية السابقة بسنت فهمي، إن غرض المشرع من صياغة هذه المادة على وجه التحديد هو "فتح الباب أمام التعامل مع العملات الرقمية في المستقبل"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن "الرؤية لم تضح بعد بخصوص تراخيص العملات المشفرة والرقمية، خاصة أن اللائحة التنفيذية للقانون الجديد لم تصدر بعد".
وتضيف فهمي لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الوضع في مصر معقد ومختلف عن دول كثيرة، ومسألة إقرار العملات الرقمية تحتاج إلى إجراءات كثيرة، على رأسها إجراء ربط إلكتروني شامل وموحد يجمع بين كل المحافظات والمؤسسات في الدولة، وربط كل ذلك بالعالم، وهو المشروع الذي تمضي فيه الحكومة المصرية، لكنه يحتاج إلى بعض الوقت حتى يتم الانتهاء منه".
إلى جانب ذلك، تشير الخبيرة الاقتصادية إلى أن التعامل بالعملات الرقمية على نطاق واسع في مصر "يتطلب أيضا تدريب الكوادر المالية، وتوعية الناس، خاصة أن تعداد السكان في مصر يتجاوز 100 مليون نسمة، وهذا تحد كبير للغاية".
الحكومات تتحرك
وفي مقابل تنامي الاستثمار في العملات الرقمية غير المركزية (التي لا تتبع حكومات)، أطلقت عدد من الدول والمؤسسات تحذيرات للمستثمرين، كان آخرها ما أعلنته هيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة، بأن المتعاملين الذين يستثمرون في سوق العملات المشفرة "يجب أن يكونوا مستعدين لخسارة كل أموالهم".
وفي هذا السياق، يعود الخبير الاقتصادي أحمد معطي ليشير إلى تحرك العديد من الدول والأنظمة الاقتصادية العالمية في مواجهة تجارة العملات الرقمية؛ حيث اتخذت إجراءات للحد من هذه الظاهرة، لافتا إلى إعلان رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، عن مناقشة البنك إصدار عملته الرقمية الخاصة.
ويضيف معطي أن الاتحاد الأوروبي ليس وحده الذي يسعى إلى إصدار العملات الرقمية، فدولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، قد أعلنتا أيضا مشروع العملة الرقمية "عابر"، التي تستخدم من قبل البنكين المركزيين والبنوك المشاركة في المبادرة، كوحدة تسوية لعمليات البنوك التجارية في كلا البلدين.
ويختم معطي حديثه لـ"موقع سكاي نيوز عربية"، بالقول: "الحكومات أصبحت تهاجم العملات الرقمية التي تخرج عن سيطرتها، أكثر من أي وقت مضى؛ خاصة أنها تستخدم في العمليات غير المشروعة مثل الإرهاب، والمخدرات، وغسيل الأموال وغيرها".