رغم معاناة زينب علوي من تداعيات كورونا في فرنسا، فإنها تواصل دفع دين بنكي مقابل شقة كانت قد اقتنتها في المغرب، فيما ترسل مساعدة مالية لوالدها بشكل شهري.

وفقدت زينب ذات الأصول المغربية التي تقطن في مدينة ليون، عملها كعاملة نظافة بسبب جائحة كورونا، فيما تعيش حاليا على المساعدات الاجتماعية من الحكومة، لكنها لا تزال مطالبة بسداد أقساط البيت في بلدها ومساعدة عائلتها التي تعتمد عليها كليا في تصريف أمورها المادية.

وتتحصل زينب على إعانة من الحكومة الفرنسية تبلغ ألف يورو، فيما تدفع 150 يورو قسطا شهريا لشقة صغيرة في مدينة مكناس وسط المغرب، بينما تحول 100 يورو إلى أهلها لإعانتهم على مصاريف العيش".

وعلى السيدة الكادحة أن تدبر أمورها بباقي المبلغ، بحرص شديد، حتى تستمر في دفع أقساطها والوفاء بالتزاماتها.

وتقول زينب  لسكاي نيوز عربية: "لا يمكن أن أفقد شقتي بسبب التهاون في الدفع. هذا الفيروس أثر على حياتنا بشكل كبير، كما أنه واجب علي أن أساعد من هم في ضيق أكثر مني".

وتعد التحويلات المالية لأبناء الجالية المغاربية المقيمة في الخارج مصدرا مهما لدعم رصيد بلدانهم الأصلية من العملة الصعبة، التي تضمن استيراد العدد من السلع الضرورية من الخارج، كما أنها معيل كبير لملايين الأسر في المنطقة المغاربية.

وعلى الرغم من أن توقعات البنك الدولي لعام 2020، الصادرة في تقرير له قبل ستة أشهر تحت عنوان "كوفيد 19 من خلال عدسة الهجرة"، تنبأت بانخفاض بنسبة 20 في المئة تقريبا في التحويلات المالية من المغتربين في منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط، فقد حققت التحويلات المالية للجالية المغربية المقيمة في الخارج على سبيل المثال ارتفاعا بـ2.2 في المئة في نهاية شهر سبتمبر الماضي، لتبلغ حوالي 50.5 مليار درهم.

ويعد المغرب ثاني بلد في المنطقة من حيث تلقي التحويلات المالية من جاليته المقيمة في الخارج بعد مصر.

"لا يمكن أن أفقد شقتي بسبب التهاون في الدفع. هذا الفيروس أثر على حياتنا بشكل كبير، كما أنه واجب علي أن أساعد من هم في ضيق أكثر مني"

العائلة أولا

ويقول أمين السرتاني، الذي يعمل مهندس معلوميات بمدينة ليون الفرنسية: "أزمة كورونا أثرت على عدة أفراد من عائلتي في المغرب، لهذا أبعث حاليا مبلغا من المال لوالدي كما كنت معتادا، كما أحول مبلغا آخر لخالي وعمتي، لأنهما فقدا عملهما خلال الحجر الصحي. لا يمكن أن لا تقدم المساعدة لمقربيك في ظل هذه الجائحة".

أما باسم سفياني، المهندس التونسي المقيم في غرونوب، فقد حول بعضا مدخراته المالية لإمضاء العطلة الصيفية إلى حسابه في تونس.

ويقول سفياني لسكاي نيوز عربية:" كنت دائما أمضي جزءا مهما من عطلتي الصيفية في بيت العائلة في مدينة جربة، لكن هذه السنة كانت استثناء، تخوفت من السفر تجنبا لإغلاق الحدود من جديد ووقوعي في مشكلة. ففضلت أن أحول مدخراتي إلى حسابي في بلدي الأم، ووضعتها رهن إشارة أبوي في حال احتاجا إليها".   

أخبار ذات صلة

تحويلات العاملين في الخارج.. دعم للاقتصاد والتنمية المستدامة
تونس تعلن عجزا ماليا قياسيا عام 2020

وقت صعب

ويعتبر الأستاذ والباحث في علم الاجتماع، علي الشعباني، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" أن التحويلات المالية للجالية المغربية خاصة والعربية عامة أمر عادي وبديهي.

ويضيف: "رغم كل الأزمات التي مر منها العالم، تبقى تحويلات الجالية ثابتة ويواصل المهاجرون مساندة أسرهم في أي بلد تواجدوا فيه، لم يخلفوا موعدا في أي مناسبة وطنية أو عائلية، برهنوا على ذلك خلال حملات تضامنية وطنية، وتشبتوا دائما بقيم الأسرة التي تربوا عليها في وطنهم الأم وداخل حضن أسرهم".

ويقول الشعباني إن هذا الترابط وهذا الواجب الأخلاقي والإنساني ظهر جليا خلال أزمة كورونا، إذ أن أسرا كثيرة اعتمدت في مدخولها الشهري على تحويلات أبناءهم من بلاد الغربة.

وفي شق آخر، أوضح أن هذه التحويلات المالية تخدم الوطن أيضا لأن المغرب يراهن عليها في ميزانيته باعتبارها مصدرا ثابتا للعملة الصعبة.

وتفيد الأرقام المسجلة أن الجالية المغربية حققت خلال الفترة الممتدة من شهر يناير إلى شهر سبتمبر من السنة الجارية أعلى رقم في التحويلات المالية إلى ذويها في المغرب مقارنة بالسنوات الأربع الماضية، بعدما كانت تُشير كل التوقعات إلى أنها ستعرف انخفاضاً كبيراً نتيجة لتفشي وباء كورونا في بلدان الإقامة.

تحويلات مستمرة

وفي تعليقه على هذه الأرقام، يقول الخبير الاقتصادي الدولي والإفريقي، سمير بوزيدي، لموقع "سكاي نيوز عربية": "بيانات البنك المركزي في كل من تونس والمغرب والجزائر تؤكد على مقاومة كبيرة لتداعيات الوباء، إذ تفيد أرقام التحويلات في تونس على أنها تفوقت على عائدات السياحة، كما أن تحويلات المغاربة بدأت تبرهن على صمودها رغم أن "بنك المغرب" توقع انخفاضا بنسبة 5 في المئة للعام الحالي، أما في الجزائر، المؤشرات تسير نحو الانخفاض ولكن بنسب أقل دراماتيكية من توقعات البنك الدولي".

ويفسر بوزيدي هذه الزيادة غير المتوقعة، بكون كثير من المهاجرين مدينون بسداد قروض بنكية، وبالتالي يسير ربع المبالغ المحولة في اتجاه سداد الديون العقارية.

ومن جانب آخر، لم تكن لدى مئات الآلاف من المهاجرين إمكانية أو لم يرغبوا في المخاطرة بالذهاب في إجازة هذا الصيف إلى البلد الأم بسبب كوفيد-19، فقاموا بإرسال مبالغ مالية لعائلاتهم أو لحسابهم البنكي، بعدما كانوا يصرفون أموالهم نقدا أثناء قضاء العطلة".

وبلغة الأرقام، يشير بوزيدي إلى أنه وفقا لوزارة السياحة التونسية، فقد "انخفض عدد السياح خلال شهر أغسطس بنسبة 57 في المئة، مقارنة بنفس الفترة من عام 2019 ... بينما زادت التحويلات في نفس الوقت بمقدار 100 مليون يورو، أو 166 يورو لكل سائح ضائع!"