قررت الجزائر رسميا التخلص من أسلوب المعاملات المالية النقدية التقليدية، والتوجه لاعتماد بطاقات الدفع الإلكترونية، لشراء وبيع السلع في المحلات والمتاجر.
وحددت وزارة التجارة تاريخ 31 ديسمبر 2020 لبداية نهاية الأسلوب التقليدي في الدفع، الذي ظل يسيطر على جميع المعاملات التجارية منذ استقلال الجزائر عام 1962.
ويهدف القرار لتوزيع أكثر من نصف مليون جهاز قارئ للبطاقات المالية المغناطيسية على التجار، البالغ عددهم حوالي مليون تاجر يعملون في الجزائر.
ويرى كثيرون أن هذه الخطوة تحمل عدة أهداف استراتيجية، وتعكس رؤية السلطة الجديدة في المضي بخطوات سريعة نحو عصرنة الحياة العامة في الجزائر.
ويتوقع رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، طاهر بولنوار، أن تقوم الجزائر بتوفير المعدات على مرحلتين، أولها بالمتاجر الكبرى، وثانيها بالمحلات الصغيرة.
ويقول بلنوار لـسكاي نيوز عربية، إن الجزائر تأخرت كثيرا لدخول هذا العالم الرقمي، وأن هذا التوجه سيضفي مزيدا من الشفافية على النشاط التجاري.
ويأتي الإعلان عن هذا القرار، بعد أزمة السيولة المالية التي عرفتها العديد من مراكز البريد في الجزائر، حيث تناقلت مواقع التواصل على مدار 3 أشهر صور لطوابير المواطنين أمام مراكز البريد لاستلام أموالهم، وهو المشهد الذي وصفته السلطة بالمؤامرة التي يقودها أعداء الجزائر، نافية وجود أزمة للسيولة.
وقد كشف وباء كورونا العديد من العيوب في الممارسة الاقتصادية في البلاد، وساهم غياب الدفع الإلكتروني من انتشار الطوابير الطويلة أمام المحلات التجارية والبنوك والبريد، مما جعل فرض قواعد التباعد الاجتماعي أمرا صعبا في بعض الحالات.
ويخشى رئيس جمعية حماية المستهلك، مصطفى زبدي، مقاومة بعض المتعاملين الاقتصاديين لهذا القرار، الذي قد يؤدي إلى الكشف عن رقم أعمال التجار، قائلا لسكاي نيوز عربية :"الذين اعتادوا على التهرب الضريبي لن يمرروا القرار بسهولة".
وقد أدرج قانون المالية لسنة 2020 تعديلات على نظام الضريبة الجزافية على الذين ينشطون في المهن غير التجارية، وتقرر إلغاء الضريبة على القيمة المضافة للسنتين الأوليين من استخدام الدفع الالكتروني.
وتود الحكومة الجزائرية البدء في هذه الخطوة شهر يناير القادم، عبر المحلات الكبرى، ويرى المراقبون استحالة تعميمها على كامل أنحاء البلاد، دون تهيئة مناخ الثقة بين الزبون والتاجر، خاصة وأن الجزائر حاولت منذ عامين التوجه إلى هذه الخطوة، إلا أنها فشلت وظلت مقتصرة على نطاق ضيق وفي بعض الفنادق والمطاعم الكبرى.
ويعتقد خبراء الاقتصاد أن هذه التوجه سيكون مقدمة لخطوة أهم تتعلق بإعادة تنظيم سوق الصرف من خلال فتح مكاتب صرف العملة الصعبة.
وقد تكبدت الخزينة الجزائرية خسائر كبيرة بسبب استمرار المعاملات خارج السعر الرسمي في ظل سيطرة السوق السوداء على حركة العملة الصعبة.
ومن المتوقع أن يدعم القرار قانون محاربة تبيض الأموال لعلاج أزمة تدهور العملة الجزائرية والحفاظ على سعر الدينار .
ويرى الخبير الاقتصادي والمالي نبيل جمعة في مقابلة مع سكاي نيوز عربية أن السياسية المالية التي اعتمدها النظام السابق خلفت تركة ثقيلة على السلطات الجديدة، مما دفع لتراجع القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع نسبة التضخم، بعدما اعتمدت حكومة عام 2014 سياسية نقدية يصفها خبراء الاقتصاد بالفاشلة، أدت إلى استنزاف أكثر من 57 مليار دولار من احتياطي الصرف واختلالات في ميزانية التجارة الخارجية وعجز سنوي.
وقد قامت حكومة الوزير الأول الأسبق أحمد أويحي بطباعة أكثر من 6500 مليار دينار، بما يساوي 55 مليار دولار ، خلقت أزمة مالية داخلية تندرج في خانة الديون الداخلية في خطوة وصفت محليا بورقة النظام السابق الأخيرة لإنقاذ مشروع الولاية الخامسة لبوتفليقة، قبل أن تغرق في دوامة الحراك الشعبي في 22 فبراير، التي أطاحت بأويحي وكل مخططاته في هذا الإطار.
وقد حذر الخبراء في وقت سابق، من خطوة طباعة النقود، وكانت نتيجة تجاهل التحذيرات صرف نصف المبلغ المطبوع، بينما يجهل إلى غاية اليوم مصير المبلغ المتبقي الذي يعادل 29 مليار دولار.
ويرى الخبراء أن قرار رقمنة القطاع المالي يحتاج إلى تطوير قطاع الاتصالات وحل مشكلة تدفق شبكة الانترنت وهو ما أشار إليه الرئيس تبون وأمر بضرورة حل المشكل في أقرب وقت.
ويستخدم أكثر من 22 مليون مواطن الانترنت، ويمتلك معظمهم حسابات على الفيسبوك، أي بمعدل نصف السكان وذلك بحسب أخر الإحصائيات الرسمية لعام 2020.
والملفت للإنتباه أن موقع "واد كنيس" الخاص بإعلانات البيع والشراء عبر الإنترنت في الجزائر هو الأكثر زيارة.
ويعتبر موقع "واد كنيس"أول موقع للتسوق الإلكتروني في الجزائر وقد أسسه أربعة شباب جزائريين عام 2006، بعدما قامت السلطات بغلق أحد الأسواق الشعبية الشهيرة في شارع يسمى واد كنيس، بالجزائر العاصمة.
ولا تزال المعاملات المالية عبر الموقع تعتمد الأسلوب التقليدي في ظل غياب ثقافة الدفع الإلكتروني.