تلقت لبنان خلال السنوات الماضية جرعات متعددة من الدعم المادي المقدم من المجتمع الدولي، بهدف إعادة الحياة للاقتصاد اللبناني، لكن مراقبين يعتبرون أن هذه "الجرعات" لم تؤت أكلها لأسباب واضحة.
وأعلن مكتب الرئيس إيمانويل ماكرون، مساء الأحد، أن فرنسا حصلت على تعهدات بقيمة 252.7 مليون يورو (298 مليون دولار) لتقديم مساعدة للبنان على المدى القريب، وذلك في خطوة أولى بشكل طارئ.
ومن المرجح أن تبلغ كلفة عملية إعادة إعمار بيروت ملياراتالدولارات. ويتوقع اقتصاديون أن يشطب الانفجار ما يصل إلى 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وحتى قبل مؤتمر اليوم الأحد انهالت عروض من أجل تقديم دعم إنساني فوري شمل فرق الإنقاذ والإمدادات الطبية.
وفي مؤشر على انعدام الثقة بين بيروت والمانحين قبل الانفجار، تعثرت محادثات بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي في ظل غياب الإصلاحات.
وطالبت الدول الأجنبية بالشفافية فيما يتعلق باستخدام المساعدات خشية أن تكتب شيكات على بياض لحكومة يصفها شعبها بأنها غارقة في الفساد. وتشعر بعض الدول بالقلق للنفوذ الذي تمارسه إيران عن طريق ميليشيا حزب الله اللبنانية.
واشتمل عرض المساعدة على دعم إجراء تحقيق مستقل ذي مصداقية في انفجار مرفأ بيروت. ودفع الغضب الشعبي بسبب الانفجار بعض اللبنانيين إلى الدعوة لانتفاضة للإطاحة بزعمائهم السياسيين.
ومنذ بداية الألفية الثالثة، نظمت الأسرة الدولية مؤتمرات عديدة لدعم لبنان اقتصاديا، منها "مؤتمر باريس 1 و2 و3 و4". ودائما ما كانت هذه المؤتمرات تنتهي باتفاق دول العالم على منح بيروت مساعدات مالية وقروض بمليارات الدولارات.
وعلى سبيل المثال، فإن آخر مؤتمر عقد لدعم لبنان "سيدر" أو "باريس 4" عام 2018، اتفقت خلاله أكثر من 50 دولة ومنظمة على منح "بلاد الأرز" مساعدات مالية بقيمة 11 مليار دولار.
ولم تبصر غالبية هذه المساعدات المادية النور بسبب عدم ثقة المجتمع الدولي في الحكومة اللبنانية، وعدم تحقيقها الشروط المطلوبة للتوصل بالدعم والهبات، وأبرزها إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية.
لماذا لم تؤت هذه المساعدات أكلها؟
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، أمين قمورية، في حوار مع "سكاي نيوز عربية"، أن المساعدات السابقة كانت تذهب لـ"جيوب الكبار".
وتابع "بحكم الفساد الضارب والنخبة الحاكمة المخترقة، فإن هذه المساعدات لا تظهر آثارها على الشعب اللبناني، لأنها في الأصل تذهب لجيوب الكبار".
من جهته، قال الكاتب والباحث السياسي، إلياس الزغبي، إن "التجارب السابقة كشفت أن الشعب اللبناني لم يستفد أبدا من المساعدات التي كانت تقدم له".
وأوضح أن "هذه المساعدات كانت تستثمر وتستغل وتباع في الأسواق على حساب الشعب اللبناني، الذي وجِّه له في الأصل هذا الدعم".
وأوضح الزغبي أن "العالم له عيون مفتوحة بشكل جيد على الواقع اللبناني ويدرك أن السيادة مخترقة ومختطفة من حزب الله، وبالتالي فإن هذه المساعدات لن تكون أبدا ذات معنى".
عزلة وانعدام ثقة
وفيما يتعلق بمؤتمر المانحين الأخير وكيف يمكن أن يساهم في إيصال هذه المساعدات إلى المحتاجين الفعليين، ذكر الزغبي أن "السلطة اللبنانية لا تنال ثقة المجتمع الدولي، وبالتالي فإنه يجب على مؤتمر باريس أن يوجه مساعداته إلى الهيئات المدنية وذات الاختصاص في تقديم المساعدات والاهتمام بالناس".
وأردف قائلا "يجب وضع لبنان تحت رعاية دولية أو تحت رعاية الأمم المتحدة وصولا إلى مرحلة لاحقة، وهي نظام الحياد.. هذه هي الوسيلة الوحيدة لإنقاذ لبنان من الصراعات وأن تصبح المساعدات ذات مردود فعلي تجاه الناس".
يشار إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعد خلال زيارته لبيروت بألا تذهب المساعدات إلى "الفساد"، مشددا على أن هذا الدعم يستهدف إعادة البناء والمساعدات الغذائية والإمدادات الطبية والمدارس والمستشفيات.
وقال الكاتب والباحث السياسي بشارة خير الله إن المساعدات "لن تأتي إلا بعد إجراء إصلاحات حقيقية".
وأوضح، في تصريحه لـ"سكاي نيوز عربية"، أن المشكلة في لبنان "ليست اقتصادية وإنما عزلة دولية، لقد خسرنا كل الدول الصديقة بسبب حزب الله".
وتابع "مشكلتنا أن لدينا دويلة داخل الدولة، لذلك نحن في عزلة. المشكلة الاقتصادية بسبب الأداء السياسي.. أصلا لو كانت عندنا سياسة محترمة، ما كنا في حاجة لمساعدات".