يدخل "قانون قيصر" الأميركي بشأن سوريا حيز التنفيذ في السابع عشر من يونيو الجاري، وسط تخوّف الدوائر المعنية في لبنان بتأثر الاقتصاد الوطني بالقانون الذي يفرض عقوبات على كل من يقيم علاقات تجارية مع الحكومة السورية.
وينص القانون على تجميد مساعدات إعادة الإعمار، وفرض عقوبات على الحكومة السورية وشركات متعاونة معها ما لم يحاكم مرتكبو الانتهاكات التي وقعت خلال الأزمة السورية.
ويعتقد مراقبون أن "قانون قيصر" يستهدف بشكل أساسي كيانات روسية وإيرانية تعمل في سوريا، حيث تحتل روسيا وإيران مراكز متقدمة في قائمة الدول التي تستورد منها سوريا، إذ تأتي روسيا في المرتبة الرابعة وفق بيانات وزارة الاقتصاد السورية، بحجم واردات بلغ نحو 69 مليون يورو، في حين تحتل إيران المرتبة السادسة.
وفي وقت اعتبر فيه كثيرون أن القانون الأميركي من شأنه أن يضيّق الخناق على الاستثمارات الروسية في سوريا والحركة التجارية بين البلدين، قللّ آخرون من تأثير هذا القانون على موسكو التي تعتبر المصدر الأبرز للسلاح في سوريا، إضافة إلى وجود استثمارات روسية كبيرة ومختلفة في البلاد، رغم العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة سابقا.
وعلى الرغم من عدم وجود بند في "قانون قيصر" يمنع المنتجات الزراعية السورية من الوصول إلى دول الجوار، فإن هذا التأثير قد يكون محتملا، خصوصا أنه يمنح الرئيس الأميركي دونالد ترامب صلاحيات واسعة تسمح له بمعاقبة أي شخص أو كيان أو دولة تربطها بسوريا علاقات اقتصادية جيدة.
ويأتي القانون ليزيد الضغوط على إيران، التي تعاني من عقوبات هي الأخرى، وتتعرض لضغوط كبيرة في العراق وسوريا، مما يزيد من تعقيد المشهد ويفتح الباب أمام دائرة جديدة من العلاقات الاقتصادية خارج نطاق هذا القانون، سواء عبر وسطاء أو عن طريق إنشاء شركات خاصة تتولى متابعة النشاطات التجارية والاستثمارية في ظل العقوبات، دون أن تتأثر شركات أخرى بها.
من هو قيصر؟
"قيصر" هو اسم مستعار لمصور سابق في الشرطة العسكرية السورية، نشر تسريبات تتضمن ما يفوق 50 ألف صورة لانتهاكات في السجون السورية.
وكانت جلسة الاستماع السرية إليه في الكونغرس عام 2014 الدافع لصياغة هذا القانون الذي حمل اسمه وأقرّ في عام 2019.
وخلال مثوله مجددا أمام مجلس الشيوخ في مارس الماضي في جلسة أخفى فيها وجهه وارتدى سترة رياضية بغطاء للرأس تفوق قياسه، دعا "قيصر" واشنطن إلى المضي قدما في معاقبة دمشق.
وبموجب هذا القانون ستطال الحكومة السورية عقوبات قانونية واقتصادية صارمة وغير مسبوقة، إذ يتضمن فرض عقوبات على كل من يدعم الحكومة السورية في مجالات الطاقة والأعمال والنقل الجوي، وعلى كل جهة أو شخص يتعامل معها أو يوفر لها التمويل، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية والمصرف المركزي السوري، فضلا عن الجهات العسكرية أو المقاولين الذين يتصرفون بالنيابة عن سوريا أو روسيا أو إيران.
من جهتها تدين الحكومة السورية التدابير العقابية المنصوص عليها في القانون الأميركي، معتبرة أنها تفاقم الصعوبات الاقتصادية التي تواجه السوريين.
تداعيات "قيصر" على لبنان
وبات "قانون قيصر" بتشعباته الكثيرة محل بحث معمّق في الداخل السوري ولدى الحلفاء، فالقانون الهادف إلى خنق دمشق اقتصاديا، له ارتدادات كبيرة على ميليشيات حزب الله في لبنان تحديدا.
وحول تداعيات تطبيق "قانون قيصر" على لبنان، قال الباحث الاقتصادي، جاسم عجاقة في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن التزام لبنان بالقانون المفروض سيعفي البلاد من أي تأثيرات سلبية، في حين أن تجاوزه سيعزل كلا من دمشق وبيروت معا.
واعتبر عجاقة أن قانون العقوبات الجديد الذي سيفرض على سوريا يشكّل تحديا للحكومة اللبنانية، وأوضح قائلا: "الاقتصادان اللبناني والسوري مترابطان عضويا، كما أن هناك علاقات وطيدة بين بعض القوى السياسية اللبنانية والحكومة السورية".
وأشار إلى أن "عدم التزام الدولة اللبنانية بالقانون سينعكس على مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بينما يمر لبنان بأزمة خانقة، وهو بحاجة إلى تمويل من الخارج".
وتطرق عجاقة للجانب السياسي قائلا: "المشهد السياسي اللبناني عرضة لتغيرات جذرية مع تهديدات بإدراج أسماء سياسيين لبنانيين من الصف الأول على لائحة العقوبات نتيجة دعمهم للحكومة السورية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة".
وبدورها شددت محاسن مرسل، الصحفية المتخصصة بالشأن الاقتصادي، على ضرورة محافظة لبنان على مكانته المالية عالميا، لأن استمرارها في العلاقات المالية مع دمشق بعد تطبيق "قانون قيصر" سيجعلها عرضة للعقوبات أيضا.
وأضافت مرسل في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية"، بأن تراجع قيمة الليرة اللبنانية بشكل كبير في الأيام الماضية يمكن إرجاعه وربطه بتدني قيمة الليرة السورية بالتزامن مع قرب تطبيق "قانون قيصر"، الأمر الذي جعل حلفاء للحكومة السورية يسحبون الدولار من لبنان، ويقومون بضخه في سوريا على أمل رفع قيمة العملة السورية.
وحذرت من أن استمرار دعم لبنان للاقتصاد السوري سينعكس بشكل كارثي على الداخل اللبناني، وستتمثل الآثار باستمرار تراجع قيمة العملة، وتدني القدرة الشرائية للمواطنين على نحو كبير، هذا فضلا عن ارتفاع التضخم، وزيادة الضغط على ميزان المدفوعات.
ويأتي تطبيق "قانون قيصر" في وقت يشهد فيه لبنان اشتباكات وتظاهرات وصدامات أسفرت عن إصابة عشرات الأشخاص وتوقيف آخرين.
وتسببت أعمال الشغب التي اندلعت الجمعة بتحطيم واجهات المحال التجارية وحرقها في شارعي رياض الصلح والعازارية.
وتحول وسط بيروت مساء الجمعة إلى ساحة اشتباك بعد مسيرة سليمة، حيث حضر العشرات من مناصري حركة أمل وحزب الله على دراجاتهم النارية، وافتعلوا أعمال شغب وتحطيم للمباني والمحال التجارية وسط بيروت قبل أن تتدخل القوى الأمنية في ساعة متأخرة، حسبما ذكر مراسل "سكاي نيوز عربية" في بيروت.
وفي مدينة طرابلس، شمالي لبنان، أعلن جهاز الطوارئ في المدينة عن إصابة 32 شخصا في المواجهات التي وقعت بين متظاهرين والجيش اللبناني.
واندلعت هذه التطورات بعد ارتفاع سعر صرف الدولار في الأسواق إلى مستويات قياسية، وبعد اجتماعات متتالية للحكومة في محاولة للجم الارتفاع الحاصل والهبوط الجنوني للعملة الوطنية.