أثرت أزمة فيروس كورونا المستجد على مختلف نواحي الحياة، لكن قطاع الاقتصاد كان من الأشد تأثرا نتيجة حالة الشلل التي أصابته، بعد أن أثبت الوباء حجم الاعتماد العالمي على الصين في عمليات الإنتاج والتصنيع، مما دفع عددا من الحكومات إلى تقديم الدعم المالي للشركات، لنقل مصانعها من الصين.
ففي فبراير الماضي، بلغت أوامر الإغلاق في الصين أوجها، مما عنى أن الكثير من الشركات العالمية وجدت نفسها بلا مصانع لإنتاج منتجاتها، كالملابس والإلكترونيات وغيرها، مما سلط الضوء على اعتماد العالم على الصين في مجال التصنيع، وضرورة اتخاذ خطوات لمنع تكرار مثل هذا السيناريو في المستقبل، بحسب تقرير لموقع كوارتز المتخصص.
ومما زاد الطين بلة، أنه عندما ضرب وباء "كوفيد-19" مختلف دول العالم، وجدت دول كبرى نفسها في مأزق كبير، عندما اكتشفت أنها غير قادرة على تصنيع معدات وأقنعة طبية محليا، لأنها أسندت تلك العمليات للصين منذ مدة طويلة، وهو ما حدث مع الولايات المتحدة.
ولضمان عدم الوقوع في ضغوط مماثلة مرة أخرى، بدأت بعض الدول في تقديم حوافز مالية للشركات، لنقل عمليات التصنيع خارج الصين، وبناء سلاسل توريد أكثر مرونة.
وفي الهند، يعمل مكتب رئيس الوزراء على خطة من شأنها أن توفر مزايا تتعلق بإنفاق رؤوس الأموال، لمصنعي الإلكترونيات والأجهزة الطبية، ليتم نقل الإنتاج خارج الصين، إما بالعودة إلى الهند، أو باتباع قاعدة تصنيع أكثر تنوعا، تتم في مواقع مختلفة.
وقال مسؤول حكومي، لم يكشف عن هويته، لصحيفة "إيكونوميك تايمز" الهندية: "تحرص العديد من الدول الآن على أن تنوع قطاعاتها مواقع عمليات التصنيع.. سيكون هناك تحول".
وبدأت الحكومة الهندية جهودها بالفعل، إذ تواصلت مع أكثر من 100 شركة، وتتطلع إلى توسيع العرض ليشمل قطاعات أخرى أيضا، حسب ما ذكر موقع "كوارتز".
أما اليابان، فقد خصصت 2,2 مليار دولار في وقت سابق من أبريل الجاري، لمساعدة شركاتها على نقل عمليات التصنيع من الصين. وقد تم تخصيص حوالي 2 مليار دولار للشركات التي ستعيد الإنتاج إلى اليابان، وبقية المبلغ خُصص للشركات التي ستنقله إلى مكان آخر.
جاء ذلك بعد دعوة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، في مارس الماضي، إلى إعادة عمليات الإنتاج "الأكثر تعقيدا" إلى اليابان، وتوزيع عمليات الإنتاج الأخرى في جنوب شرق آسيا.
ومن المقرر أن تصبح "إيريس أوهاياما"، وهي شركة تصنع سلعا استهلاكية، أول شركة تحصل على الدعم عندما تبدأ في إنتاج أقنعة طبية، بما في ذلك المواد الخام اللازمة، في اليابان.
وفي الولايات المتحدة، فلم يتم الإعلان حتى الآن عن أية خطط مماثلة، لكن لاري كودلو، وهو مستشار اقتصادي كبير في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أعلن دعمه لمثل هذه الخطوة، في لقاء مع قناة "فوكس بزنس".
وقال: "فيما يتعلق بسياسات إعادة الشركات إلى الوطن، فإنه يمكننا القيام بالكثير من الأشياء"، مقترحا أن تدفع الولايات المتحدة التكاليف الكاملة للشركات التي تنقل المصانع والمعدات والملكية الفكرية من الصين إلى الولايات المتحدة.
يذكر أن كسر الاعتماد على الصين في قطاع الإنتاج، لن يكون سهلا، لأن إعادة تنظيم سلاسل التوريد سيكون باهظ التكلفة، ولأن البنية التحتية الصناعية للصين متقدمة جدا.
لكن حتى قبل ظهور وباء كورونا، فإن العديد من الشركات متعددة الجنسيات كانت تنقل عمليات التصنيع الخاصة بها من الصين، نظرا للارتفاع المستمر في التكاليف بالصين.
كما أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين عقدت الأمور بالنسبة لأولئك الذين يقومون بالتصدير من الصين إلى السوق الاستهلاكية الأميركية.
ومع ذلك، فإنه من غير المحتمل حدوث تحول واسع النطاق من قبل الشركات لنقل عمليات التصنيع إلى "وطنها". وأشار موقع "كوارتز" إلى أنه من الممكن أن تنقل الشركات إنتاج المنتجات أو السلع المهمة التي تتعلق بالصحة والأمن الوطني.
لكن بالنسبة للمنتجات الأخرى، فإن الشركات قد تنقلها إلى مواقع أخرى أقل تكلفة في آسيا أو الدول القريبة من أسواقها الرئيسية.