شهدت أسواق النفط يوما تاريخيا، الاثنين، عندما انهارت أسعار الخام الأميركي الخفيف إلى ما دون الصفر، في واقعة لم يسبق حدوثها من قبل وسيتذكرها العالم طويلا، وهو ما يثير علامات استفهام عديدة عن كيفية حدوث ذلك والمتضررين منه.
وبعد جلسة تداول عاصفة، تدهور سعر برميل النفط تسليم مايو المدرج في سوق نيويورك إلى ما دون الصفر، لأول مرّة في التاريخ مع انتهاء التعاملات، مما يعني أن المستثمرين مستعدّون للدفع للتخلّص من الخام.
ونظرا إلى انقضاء مهلة عقود مايو الثلاثاء، توجب على المتعاملين العثور على مشترين في أقرب وقت ممكن.
لكن مع امتلاء منشآت التخزين في الولايات المتحدة بشكل هائل خلال الأسابيع الأخيرة، أجبر المتعاملون على محاولة الدفع للمشترين لتجنب مزيد من الخسائر، عندما هبط سعر برميل خام غرب تكساس الوسيط 37.63 دولارا تحت الصفر، مع انتهاء التعاملات.
براميل "ورقية"
وقال الخبير النفطي أنس الحجي لموقع سكاي نيوز عربية إن السبب الأساسي للانهيار التاريخي "هو أن التجار الذين يتعاملون بالعقود الورقية، انتهت عقودهم، وأن المضاربين بالسوق اشتروا العقود ولم يستطيعوا تصريفها.. وحتى لو استلموا شحنات النفط، لا توجد أماكن لتخزينها، وهذه الجزئية لها علاقة طبعا بكورونا".
وتسبب تفشي فيروس كورونا بانهيار الطلب العالمي على النفط ومشتقاته، بسبب توقف إنتاج الطاقة وحركة المواصلات حول العالم.
وأشار الحجي إلى أن الوضع مؤقت، ولن يستمر لشهر يونيو المقبل، قائلا :"لو نظرنا إلى عقود شهر يونيو فهي مازالت فوق العشرين دولار، ليس لدينا مشكلة في هيكل الأسعار المستقبلية، لكن الأمر حاليا له علاقة بالمضاربين اليوم وغدا، وهو موعد إغلاق العقود".
وأضاف: "عدد كبير من المتداولين لا يعرفون حتى رائحة النفط، هم فقط مستثمرون على الورق".
ضحايا وعود ترامب
وأشار الحجي إلى أن "المضاربين على الورق، الذين يتداولون في النفط دون تخزينه فعليا، هم الخاسرون حتما، فعليهم الآن استلام الشحنات النفطية، وبما أنه ليس هناك أماكن تخزين متوفرة، فسيضطرون إلى بيع الخام بالسالب وتكبد الخسائر".
وقال الحجي إن المضاربين "صدقوا كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأن أسعار النفط سترتفع، وأن الأمور ستعود لطبيعتها بسرعة كبيرة، ولكن كل هذا لم يحدث".
البراميل العائمة
وتنبأ المستشار الاقتصادي والنفطي الدولي، محمد الصبان، بأن ترتفع عقود يونيو ويوليو بشكل طبيعي، لأن الاقتصاد العالمي سيستعيد شيئا من عافيته.
وقال الصبان: "الانهيار الذي حدث في أسعار الخام كانت متوقعة لأن الفائض الكبير الذي تعيشه أسواق الطاقة الأميركية كبير جدا، هناك أكثر من 100 مليون برميل مخزون عائم حول الشواطئ الأميركية".
وأضاف: "هناك بعض المصافي التي أبطأت إنتاجها نتيجة تراجع الطلب على النفط بسبب كورونا، كما أن اتفاق منظمة أوبك + لم يأت بتأثير كاف مع الخسارة الكبيرة التي حصلت في الطلب، وعقود مايو التي سيتم تسليمها في مايو قريبة جدا، مع وصول الخزانات إلى حدها الأقصى".
"ما حصل هو أن المضاربين فوجئوا بأن المعروض كبير جدا، وأن الخزانات لا تستوعب شراء كثير من النفط للسوق الأميركية، وفوجئوا بعدم وجود تخفيض طوعي من الولايات المتحدة للتجاوب مع أزمة أسعار النفط".
ورأى المستشار في شؤون الطاقة والنفط، مصطفى بازركان، أم الحل الأمثل لتجنب مزيدا من تدهور الأسعار في العقود المقبلة، هو إجبار الحكومة الأميركية شركات النفط على وقف الإنتاج.
وقال بازركان: "منتجو النفط الأميركي يتحملون المسؤولية لأنهم تمادوا في الإنتاج، لم يكن هناك أي مؤشر على التعاون بخفض الإنتاج الأميركي مع دول أوبك وروسيا".
وأضاف :" هناك هبوط شديد في الطلب، والشوارع خالية من السيارات، وانخفاض الاستهلاك، وتوقف الشحن البحري والطيران المدني، والشركات الكبرى تنهار.. وأمام كل ذلك لم تستجب الصناعة النفطية لهذه التغيرات، فحدث الانهيار".