جعلت الثروة الهائلة من الغاز الطبيعي المكتشفة حديثا من مصر شريكا أساسيا في التحول العالمي بخريطة الطاقة،مما يعطي القاهرة نفوذا جغرافيا وسياسيا متناميا، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
ففي السنوات الأخيرة، أصبح شرق البحر المتوسط واحداً من أهم مناطق الحفر البحرية في العالم، مع سلسلة من اكتشافات الغاز الكبرى في المياه الإقليمية لإسرائيل ولبنان وقبرص، لكن مصر حصلت على نصيب الأسد عام 2015 باكتشاف حقل ظهر العملاق، والذي تطور ليصبح أحد أكبر حقول الغاز الفردية في الشرق الأوسط.
وبحسب نيويورك تايمز، تنتج مصر الآن رقماً قياسياً يبلغ 6.3 مليار قدم مكعب من الغاز يومياً - بزيادة أكثر من 30 في المائة منذ عام 2016 - مما يجعلها واحدة من أكبر المنتجين في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. في شهر يناير، وللمرة الأولى منذ عدة سنوات، قامت مصر بتصدير كمية من الغاز أكثر من تلك المستوردة.
وتخطط شركات النفط لتوسيع إنتاج الغاز بأكثر من 40 في المائة في مصر هذا العام، مع شعور عام بالتفاؤل بشأن ثروات شرق البحر المتوسط.
"فجر جديد في مصر"
ونقلت الصحيفة الأميركية عن الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية، كلاوديو ديسكالزي ،: "تعد مصر واحدة من أفضل الأماكن المناسبة للحفر، إلى جانب قبرص وإسرائيل، ليس فقط بسبب الاكتشافات ولكن لقربها من أوروبا التي يزيد اعتمادها على الغاز".
وأضاف المسؤول عن الشركة الإيطالية العملاقة التي تطور حقل ظهر: "مصر لديها كل مقومات النجاح".
وتوافدت الشركات العملاقة على مصر بعدما قررت الحكومة في عام 2015 رفع السعر الذي ستدفعه للشركات مقابل الغاز بأكثر من الثلث.
واستثمرت شركة "بي بي" أموالاً في مصر خلال العامين الماضيين أكثر من أي دولة أخرى، وقد أضافت 1.8 مليار دولار هذا العام.
وذكرت الصحيفة أن شركات النفط الأجنبية ضخت استثمارات تقدر بنحو 10 مليارات دولار في مصر هذا العام.
وما يدعم ثروة الغاز الجديدة في مصر، أنها تمتلك محطتي تصدير الغاز الوحيدتين الكبيرتين في شرق البحر المتوسط، واللتين تم بناؤهما خلال حقبة سابقة من ثروات الغاز.
وكانت المحطتان اللتان تقومان بتبريد الغاز بهدف إسالته من أجل التصدير بواسطة الناقلات، قد تراجعتا إلى حد كبير منذ عام 2014، عندما طغى طغى الاستهلاك المحلي على الإنتاج.
وتخطط شركتا إيني ورويال دتش شيل إلى الوصول بالمحطتين إلى حالة التشغيل الكامل هذا العام، على أمل استخدامهما لإعادة تصدير الغاز الذي تنتجه الدول المجاورة والتي ليس لديها مثل هذه المحطات.
وقال مايكل ستوبارد، كبير الاستراتيجيين لأسواق الغاز العالمية في شركة آي أتش أس ماركت، وهي شركة استشارية في مجال الطاقة: "إننا نشهد فجرًا جديدًا في مصر".
وسيساعد الغاز الطبيعي في تحقيق الاستقرار المالي لمصر وأيضا سيسهم في الحد من تلوث الهواء.
وتدفع الحكومة المصرية سائقي المركبات إلى تحويل سياراتهم من البنزين والديزل إلى الغاز الطبيعي الأنظف والأرخص.
وحتى الآن، جرى تحول 250 ألف سيارة من أصل 10 ملايين سيارة إلى الغاز الطبيعي.
شريك لا غنى عنه لأوروبا
ويمكن أن تساعد طفرة الغاز الطبيعي مصر على المستوى الجيوسياسي حيث ستعزز الروابط الاقتصادية مع الأردن وإسرائيل فيما ستصبح القاهرة شريكا لا غنى عنه لأوروبا.
ولن تغير ثروة الغاز وضع مصر فقط وإنما ستؤثر على طبيعة العلاقات بين القوى العالمية.
فقد كان تدفق الغاز الطبيعي في البحر المتوسط خبرا سيئا بالنسبة إلى روسيا التي اضطرت إلى خفض الأسعار للحفاظ على مبيعاتها إلى أوروبا.
لكن في الواقع، تسعى العديد من الدول الأوروبية منذ فترة طويلة إلى الحد من اعتمادها على روسيا وهي حريصة على تأسيس موردين جدد مثل مثل مصر.