إن وجود طبقة وسطى وتزايدها واتساعها في المجتمع سيدفع اقتصاد المشاركة في المستقبل القريب قدما، وبالتالي فإن هذا النوع من الاقتصاد ربما يكون من الاقتصادات التي ستنجو من شبح الأزمة الاقتصادية المقبلة.
بحلول العام 2019، يكون قد مر عقد تقريبا على ظهور اقتصاد المشاركة، ويمكن للمتتبع أن يلاحظ أن بعض اتجاهات هذا الاقتصاد نجح في تلبية وتحقيق النتائج المرجوة منه، لكن البعض الآخر فشل في تحقيق ذلك.
ولا شك أن النمو الكبير في اقتصاد المشاركة فاق التوقعات، فهناك الآن آلاف المنصات لهذا النوع من الاقتصاد التي تعمل في كل القطاعات تقريبا وتنشط في مختلف دول العالم.
في العام 2009، كان هناك منصات مثل "زيب كار" و"بلا بلا كار" و"كوتش سيرفينغ"، ومنصات أخرى غيرها، وسبقها في العام 2008 "آير بي آند بي" وظهرت "أوبر" في ربيع عام 2009.
ومع تطور وانتشار تكنولوجيا الهواتف الذكية والتكنولوجيا الرقمية، أصبح من السهل الوصول إلى السلع والخدمات المعروضة، وأصبح ذلك جزءا من المجتمع الحديث والعصري.
وفي الوقت نفسه، فقد اقتصاد المشاركة بعضا من وهجه الأصلي، ففي الأيام الأولى كان من النادر عدم الخوض في نقاش حول مسؤولية اقتصاد المشاركة في تحفيز زيادة الاستهلاك وبناء العلاقات والاتصال والتواصل الحقيقي بين أفراد المجتمع.
لكن هذه المزايا، رغم أنها لم تختف، إلا إنه أصبح من الصعب على منصات اقتصاد المشاركة التعامل مع هذه المبادئ، ذلك أن التركيز تحول إلى مسائل الإقناع والسعر وكفاءة المعاملات أو ما يعرف بـ"المجتمع بوصفه سلعة".
لكن، مع دخول اقتصاد المشاركة العقد الثاني من العمر، ماذا يمكن أن نتوقع منه في العام 2019؟
تفاوت النمو
من المتوقع أن يشهد عام 2019 تحول بعض منصات اقتصاد المشاركة إلى شركات عامة مساهمة، إذ ستدخل في البورصات وأسواق المال، وقد يشهد أول حالات إشهار إفلاس كبرى.
ومن بين الشركات التي ستدخل البورصة شركتا "أوبر" و"ليفت"، وعلى الأرجح في النصف الأول من العام الجاري، وتقدر قيمة أوبر بحوالي 120 مليار دولار، في حين تقدر قيمة شركة ليفت بحوالي 13 مليار دولار.
في المقابل، يبدو أن شركة مشاركة الدرجات الهوائية الصينية "أوفو" في طريقها لإعلان إفلاسها.
التنوع الديمغرافي المحفز
بدءا من 2019 فصاعدا، سيكون العامل الديموغرافي محفزا لاقتصاد المشاركة، والمقصود هنا توسع الطبقة الوسطى، بالإضافة إلى عاملي المرأة وكبار السن.
وللمرة الأولى في التاريخ البشري، تمثل الطبقة الوسطى غالبية سكان العالم، إذ تشير التوقعات إلى هذه الطبقة ستتضاعف في السنوات العشر المقبلة ليصل عددها إلى 5.2 مليار نسمة، كما يتوقع أن تشكل المرأة حوالي ثلثي الزيادة الإجمالية في ما يعرف بالدخل القابل للتصرف خلال العقد المقبل.
في الأثناء، هناك أعداد متزايدة من السكان المسنين، وتحديدا في كل من الولايات المتحدة واليابان ومختلف دول أوروبا.
كل فئة من هذه الفئات السكانية ستلعب في السنوات اللاحقة دورا في اقتصاد المشاركة، الذي يتيح للناس الوصول إلى الأشياء التي ربما لم تكن ستتوفر لهم في ظروف أخرى.
مشيئة المشرعين
في عام 2012، كانت المؤشرات توحي بأن يعمل صانعو السياسات ومنصات اقتصاد المشاركة معا، وأن يثبت أن القوانين والسياسات البالية ما هي إلا من أسباب التعطيل والإعاقة.
وفي السنوات اللاحقة، وفي كل أسبوع تقريبا، تبينت صحة هذه التوقعات التي وصلت في بعض الأحيان حدا لا يطاق.
وخلال العام الجاري، ستظهر تحديات كبيرة في مجال التشريع وسن القوانين ذات العلاقة باقتصاد المشاركة، ولكن سيتخلل ذلك بعض اللحظات الخلاقة والتعاون، خصوصا في المدن.
ويبدو أن المدن تتعلم أن اقتصاد المشاركة يحتاج إليها ليصبح فاعلا ونشطا، خصوصا في مجال توفير تشريعات ملائمة وتسخير التنمية الاقتصادية.
ويمكن توقع زيادة في الوعي بالتشريعات والقوانين، فعلى سبيل المثال، أصبحت الدنمارك عام 2018 أول دولة تتيح للمستضيفين ضمن منصة "إير بي إن بي"، أولئك الذين يؤجرون شققهم وبيوتهم للراغبين من خلال التطبيق، أن يدرجوا دخولهم مباشرة في نظام سلطة الضريبة.
من اقتصاد المشاركة إلى الاقتصاد
ثمة خلط وغموض بين مصطلحي اقتصاد المشاركة واقتصاد العمل المؤقت من ناحية المفهوم، إذ إن كلا منهما يوفر لصاحبه مزيدا من الدخل، لكن هناك فروق عدة بينهما.
لكن ينظر البعض، في المدى الأوسع، إلى اقتصاد المشاركة باعتباره جزءا من الاقتصاد، وربما يعبر هذا عن أهمية ونجاح اقتصاد المشاركة، وهو ما لا يتحقق مع اقتصاد العمل المؤقت.