في الوقت الذي تتحالف نحو 40 دولة من أجل القضاء على تنظيم الدولة في العراق وسوريا، يبرز سؤال مهم عن موقف تيار الإسلام السياسي من هذه الحرب وعن "البديل السياسي والفكري" الذي يجب العمل على زرعه في المناطق التي يتم تحريرها من يد التنظيم، خصوصاً وأن الجميع يتفق على أن هذه الحرب لن تكون عسكرية خالصة وأن العمل ضد التطرف الديني يتطلب محاورة العقول وخطة سياسية اجتماعية اقتصادية من أجل وئد الأفكار المتطرفة.
هنا تجد التيارات الإسلامية التي تسمي نفسها بالمعتدلة، ومن بينها تيار الإخوان المسلمين، الفرصة سانحة للقول إن إزاحتها عن السلطة في عدد من دول الربيع العربي كان السبب في ظهور ذلك التطرف على الأرض، وأن عملية المراجعة الفكرية المأمولة في الحرب ضد داعش تستلزم طلب العون من تيار الإسلام السياسي الذي يجب أن نرضى به وبعودته، بحجة أن القبول "بالإسلام المعتدل" يجنبنا ظهور تيارات دينية متطرفة.
حتى أن تركيا، التي تدعم تنظيم الإخوان المسلمين، طرحت على استحياء في حديثها مع المسؤولين الغربيين فكرة دعم تنظيم النصرة وغيره من تيارات إسلامية مسلحة تقاتل في سوريا خارج إطار الجيش الحر، واستخدامها في القتال ضد تنظيم الدولة من نفس المنطلق القائل "حارب التطرف بمن هو أقل تطرفاً".
لكن الحاصل على الأرض هو أن هذه التنظيمات المتطرفة ولدت من رحم تلك الجماعات التي تسمى نفسها بالمعتدلة، ونظرية أن "الإسلام المعتدل" يمنع ظهور المتطرفين والمتشددين أثبتت فشلها عملياً.
فالنموذج التركي "للإسلام المعتدل"، الذي طرح إقليمياً، سقط في أول اختبار جدي مع وصول الإخوان للحكم في عواصم دول الربيع العربي.
واليوم باتت أنقرة متهمة من الغرب بل وبعض فصائل المعارضة السورية بدعم التيارات "الإرهابية" في سوريا، وأن الأراضي التركية باتت قاعدة لوجستية لداعش.
كما أن هذه التيارات المتطرفة والمقاتلة ظهرت فقط في الدول التي وصل فيها الإخوان المسلمون إلى السلطة، فالإخوان في ليبيا وتونس ومصر، اعتبروا هذه الحركات ساحة خلفية لهم، وتم إرخاء الحبل لها ولقياداتها من باب التواصل والود الأيديولوجي الذي يجمعها بتيار الإخوان المسلمين، فاستقوى التطرف الديني بوصول "الاعتدال" إلى السلطة وليس العكس، ولا ننسى أن عمليات خطف الجنود المصريين في سيناء، واغتيال معارضين يساريين في تونس وليبيا وقعت أثناء حكم الإخوان في تلك الدول وليس قبل اسقاطها.
وبمتابعة لشجرة عائلة التطرف، التي تنتهي بداعش اليوم، نجد أن أصول كل الفروع المتطرفة والموجودة على الأرض اليوم من القاعدة إلى التكفير والهجرة وغيرها ولدت من رحم تنظيم الإخوان المسلمين سابقاً، ولم تؤد أي عملية إصلاح داخلي في تيار الإخوان إلا إلى ولادة تنظيمات أكثر تشدداً تنسلخ عنها.
وعليه فإن الدرس الذي يجب أن يوضع في عين الاعتبار أثناء محاربة تنظيم الدولة هو ضرورة عدم العودة إلى نظرية "الإسلام المعتدل" مقابل التطرف، لأن التجربة على الأرض أثبتت أن البذرة واحدة.