يخوض التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية حربا لا هوادة فيها لمواجهة خطر الإرهاب الآخذ في التغلغل يوما بعد آخر في كثير من دول العالم الإسلامي، التي تردنا منها أخبار مفزعة أدت إلى تفكيك الأسر وتمزيق المجتمعات، وزرع الفوضى في الدول.
وحسب أحدث تقارير مؤشر الإرهاب العالمي للعام الفائت 2023 أضحى الإرهاب أكثر فتكا بزيادة بلغت 50 في المئة عن عام 2022 في منطقة الساحل الأفريقي وحدها، بارتفاع بلغ 2000 في المئة خلال 15 عاما الماضية.
هذه الأرقام المفزعة للإرهاب العابر للحدود، جعلت العالم، خاصة الدول الإسلامية التي أضحت الضحية الأولى للإرهاب، تستشعر الخطر وتوحد جهودها اليوم في الرياض، التي تضم مقر قيادة تحالف محاربة الإرهاب، وصاحبة التجربة الطويلة والناجحة في اجتثاث الإرهاب وتجفيف منابعه، لحشد كل الطاقات والإمكانيات والاستعداد لحرب طويلة ستحتم على الجميع التعاون للتصدي لهذه الآفة عبر أربعة محاور مهمة، تشمل الحرب الفكرية، والإعلامية، وتجفيف منابع التمويل، فضلا عن الحرب العسكرية التي أضحت ضرورة لتفتيت فلول الإرهاب وتجمعاته.
ويعتزم وزراء دفاع التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب على تنسيق الجهود وتوحيدها لدرء مخاطر الإرهاب والوقوف ضده، فأكدوا على أهمية الجهد المشترك والعمل الجماعي المنظم والتخطيط الاستراتيجي الشامل للتعامل مع خطر الإرهاب ووضع حد لمن يسعى لتأجيج الصراعات الطائفية ونشر الفوضى والفتن والقلاقل داخل دولهم، كما جاء في اجتماعهم الأول.
وفي اجتماعهم الثاني الذي عقد بالرياض في الثالث من فبراير الجاري اتفق وزراء دفاع الدول الأعضاء على أهمية تفعيل المبادرات الرامية إلى محاربة الإرهاب في مجالاته المختلفة، وعلى إطلاق صندوق تمويل مبادرات التحالف المخصص لاستقبال المساهمات المالية من الدول الأعضاء والداعمة، ومن المنظمات الدولية.
* * *
لا تعد الحرب على الإرهاب قضية جديدة على العالم، وخاصة عالمنا الإسلامي، لكن الجديد حتما والمثير هو إنشاء "تحالف إسلامي" لمعالجة ظاهرة عجز العالم عن تطويقها، فكون الظاهرة وضحاياها في بلدان إسلامية، فلا ريب أن أفضل علاج لها لن يأتي من الخارج، قدر ما سيكون من الداخل، وقد أخفقت كثير من جهود الغرب في محاربة الإرهاب لاقتصارها على جوانب عسكرية غير قادرة على محاربة أيديولوجيا الإرهاب ومحاصرته إعلاميا واجتماعيا، وهي قضايا استطاع التحالف الإسلامي وضعها على أجندته لمعرفته بطبيعة الأيديولوجيا والأفكار والأرضية التي ينطلق منها الإرهاب في العالم الإسلامي.
في أفريقيا وحدها، استطاع الإرهاب خلق "ممالك" على طول خط دول الساحل، من البحر الأحمر شرقا، إلى المحيط الأطلسي، في حدود تبدأ من القرن الأفريقي، مرورا بالسودان وتشاد والنيجر ومالي وبوركينافاسو، مع محاولات اختراق مستمرة لدول خليج غينيا.
وقد تمكنت فلول وقيادات الجماعات الإرهابية هذه، من اختراق المجتمعات المعزولة، والرعوية والزراعية في هذه الدول، مستغلة جهل أبنائها، وقلة حاجتهم، وعزلتهم الفكرية والإعلامية عن العالم، فجندوا آلافا منهم، وسط غياب تام لأية وسائل إعلامية أو توعية فكرية لأبناء هذه المجتمعات.
وتمكنت الجماعات الإرهابية، عبر التجنيد والسطو واتباع سياسة الأرض المحروقة مع هذه المجتمعات، من زعزعة استقرار القرى والمدن ودول بأكملها، فأصبحت تئن اليوم تحت وطأة الإرهاب وآثاره الخطيرة التي تكاد توقف عجلة الحياة فيها، كما هو الحال في عدة دول أفريقية شل الإرهاب فيها الحياة السياسية والاجتماعية، وأدركت مؤخرا (هذه الدول) أهمية توحيد جهودها في محاربة الإرهاب.
ويعول خبراء محاربة الإرهاب كثيرا على التحالف الإسلامي وقيادته، ليس عبر الجهود العسكرية الضرورية لاجتثاث الإرهاب وتفكيك بؤره فقط، بل عبر الحرب الفكرية التي أضحت ضرورية لتوعية هذه المجتمعات من التضليل الذي تمارسه منابر الإرهاب في هذه الدول، وأيضا عبر الحرب الإعلامية التي أضحت لازمة أيضا لمواجهة استغلال التنظيمات الإرهابية لشبكة الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي التي تغلغلت فيها وأضحت تبث سمومها عبرها، ناهيك عن ضرب وتجفيف منابع تمويل هذه التنظيمات التي استولت على موارد كثيرة في عدة دول شملت مناجم تعدين وأراض زراعية وثروات حيوانية لا تحصى أمام عجز سلطات هذه الدول التي لا تمتلك الأدوات ولا الوسائل اللازمة لمواجهة طويلة مع هذه الجماعات.
ومن هنا تأتي أهمية هذا التحالف العازم على مضاعفة الجهود لتعزيز العمل المشترك في أي عملية أو برنامج أو مبادرة ضمن إطار التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية.