توقيف عمليات مساعدات الأونروا كان أيسر بكثير من توقيف حرب. وهذا تماما جوهر مشكلة العالم اليوم.
إن الاستثمار في الصراعات والأزمات والحرص على استمراريتها لهو أهون من الاستثمار في التعمير والبناء.
ولما لا؟ إن كان التدمير أبخس من الإصلاح.
كان من العظيم أن يعيش الإنسان في زمان يكون فيه تجويع البطون والعقول مُتاح أما العمل على تنوير العقول والبصائر وتوفير الاحتياجات الكاملة للبشر في أي زمان ومكان أمر مكلف وتحدياته كثيرة.
تنهال الاتهامات على الأونروا وقبل انتهاء أي تحقيقات حتى، تُعلق الدول تمويل الوكالة.
الفكرة، حتى وإن كان موظفين في الأونروا يتعاونون مع فصائل فلسطينية بحسب ما تقول إسرائيل، لكن هل من المنطق والإنساني في هذا العالم فرض عقاب جماعي بشكل مستمر على 2 مليون إنسان.
والسؤال للمجتمع الدولي العظيم الذي يتغنى بالإنسانية والديمقراطية والحريات الذي أحرق حاضر البشرية في حجج واهية وشعارات حقوقية إنسانية هشة ومزرية.
هل زج الإنسان نفسه في حروب مدمرة له جسديا وعقليا ونفسيا وروحيا وأوجد جحيما أبديا للبشرية؟ هل بات هذا هو الحل؟
ثم.. ما فائدة هذه المؤسسات الحقوقية الدولية إن كانت عاجزة عن حماية ذاتها حتى؟
وما فائدة كل القوى التي تعجز عن حماية الإنسان وتوفير المأوى والمأكل والملبس والحياة الكريمة له؟
ما فائدة كل هذه الأموال في العالم التي تتعاظم في حسابات محدودة بينما نعيش في عالم يعجز عن إحلال العدالة في التوزيع والإدارة؟
تمام يتم إيقاف الأونروا.. لكن ما البديل اليوم؟
ما البدائل لمساعدة الإنسان في قطاع غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا؟
يُترك الإنسان في العراء وحيدا؟
ألم أقل هذا العالم يعزز ويجذر وجود مؤسسات عاجزة ومترهلة؟ ثم أكون أنا المتحاملة على هذا العالم؟
تارة برنامج الأغذية العالمي في اليمن يوقف مساعداته بحجة محدودية التمويل.
ثم تارة يتم إيقاف أكبر منظمة مساعدات في واحدة من أكبر المنظمات الإنسانية في العالم.
أي عالم هذا الذي يعيش فيه الإنسان؟ وأي ظلام حالك هذا الذي يحل على البشرية؟
كيف من الممكن صرف مليارات على أسلحة بينما يُنسى الإنسان على قارعة الطريق مُتسخا مريضا عليلا جسديا ونفسيا وثقافيا وحياتيا؟
يتم التعامل مع القرارات على أساس سياسي حيادي بحت حين يكون الإنسان جوهر الموضوع.
ومن يُنقذ الإنسان؟
قد تكون إسرائيل الجهة التي ساهمت وتسعى لمحو الأونروا من الوجود.. لكن .. الجميع يتحمل مسؤولية كل ما يحدث أيضا، كل الجهات العاجزة عن حماية الإنسان تتحمل مسؤولية ما يحدث.
كل من لا يعمل على تحرير إنسان، آثم.
إن نزيف الخذلان الإنساني والبشري المستمر في كل مكان يُعاني من أزمات.. هو إثم وفرض عقاب أبدي على الإنسان وابتزازه في ماله ومأكله ومأمنه وحياته.. إثم.
إن تشريد الملايين في هذا العالم إثم.. وتعظيم أعداد النازحين والمشردين إثم.
المشكلة أن هذا نهج "العالم الجديد".. والإنسان كل الإنسان أينما كان سيتم التعامل معه بذات الأسلوب وذات الطريقة.
يعتقد المرء في مناطق آمنة "حتى الآن" أنه أفضل، أو لعله المُختار.. لكن.. بحسب التجربة والأمثلة والشواهد الكثيرة خاصة خلال السنوات الأخيرة.
هذا النظام العالمي الجديد لا يكترث للبشر وربما لم يكترث يوما في الأساس ولن يرحم أحدا.. إذا لن يجد مبررا واحدا لإنقاذ أي أحد.