لا حديث هنا في واشنطن سوى عن تبعات إرسال العديد من الولايات قوات إلى تكساس لدعم السلطات المحلية في مواجهة المهاجرين غير الشرعيين ...حيث بات اسم الولاية متصدرا لكل المنصات العالمية.

وبداية أقول إنه قد لايعرف الكثيرون أن ولاية تكساس كانت دولة مستقلة منذ أكثر من قرن ونصف ثم انضمت إلى الولايات المتحدة وهي اليوم تملك اقتصادا يحتل المرتبة التاسعة بين اقتصاديات العالم ففيها معظم الغاز والنفط الذي في أمريكا .. وأما على الناحية السياسية فان ثاني أكبر عدد من الأصوات الانتخابية ومقاعد الكونجرس هو من هذه الولاية .

اليوم تتجه كل أنظار العالم إلى هذه الولاية خشية وقوع اضطرابات فيها بعد قرار المحكمة العليا إزالة الأسلاك الشاءكة على الحدود مع المكسيك والتي أقامها حاكم الولاية (جريج ابوت) متحديا حكم المحكمة العليا والذي أيد حق عملاء حرس الحدود الأمريكيين بإزالة تلك الأسلاك التي وضعها الحرس الوطني في الولاية.. ذلك أن فشل الإدارات الأمريكية على مدى العقود الماضية في التعامل مع مسألة الهجرة وكذلك عدم سن قوانين تتعلق بهذا الأمر ومحاولة كل من الجمهوريين والديمقراطيين لتحقيق مصالح في هذا الشأن جعل الولايات الحدودية(كاليفورنيا-نيو مكسيكو-ايرزونا-تكساس)تبحث عن حلول وإجراءات خاصة بها تستطيع معها مواجهة هذه القضية..

وفي حالة تكساس فالولاية ترى أن الحكومة الفيدرالية لاتقوم بما يمليه عليها الدستور من تأمين حدود البلاد من الجهة الجنوبية حيث الحدود مع المكسيك وكذلك اتهمتها بعدم تطبيق القوانين فيما خص المهاجرين غير الشرعيين حيث أن الاحتجاز هو الأمر القانوني في تلك الحالة وهنا نتحدث عن مايزيد عن 7 ملايين شخص عبروا من المكسيك منذ بداية عهد الرئيس بايدن.

أيضا لا بد من الاعتراف أنه وعلى الدوام فقد عانت الولايات المتحدة من قضية المهاجرين غير النظاميين خصوصا عبر حدودها الجنوبية مع المكسيك حيث يعبر يوميا مايقارب ال10 آلاف مهاجر وفي الأحداث الجارية فالولاية تستند إلى نص دستوري قديم قد يسمح لجيش الولاية بالاصطدام مع إدارة الحدود التابعة للسلطات الفيدرالية وهو أمر قانوني وسياسي معقد ويحمل مشاكل لا حصر لها للأمريكيين.

هنا في واشنطن وبالقرب من الكابيتول يرى معظم المحللين أن الحالة اليوم في تكساس يمكن توصيفها بأن حاكمها يرى أن بلاده- الولايات المتحدة الأمريكية-قد تعرضت لغزو من ملايين المهاجرين والدستور الأمريكي يعطي الولايات حق الدفاع عن النفس إذا تعرضت للغزو والحاكم هنا يرى أن بايدن يرفض تأمين الحدود لكن الحقيقة أن الدستور الأمريكي يمنع الولايات من الانخراط في الحروب من غير موافقة الكونغرس و يرى البعض كذلك مبالغة في وصف الخلاف بين الولاية والحكومة الفيدرالية بأنه ينذر باندلاع حرب أهلية وانفصال للولاية عن الولايات المتحدة بسبب دعم حكام جمهويين في 35 ولاية لموقف حاكم تكساس وهو ما رأى فيه كثيرون ضغطا من الولاية على الحكومة الفيدرالية للحصول على مكاسب انتخابية مستقبلا.

في رأيي فإن سبب الأزمة في جنوب الولايات المتحدة واقصد هنا (أزمة تدفق المهاجرين ) ينطلق من عدة نقاط:

أولا/ المصالح المتعلقة بالحزب الديمقراطي حيث انه يدعم المهاجرين غير الشرعيين ويشجعهم أملا في أن تكون حقوق(الإقامة المؤقتة)عاملا موصلا إلى وجود (قوى فاعلة وموزونة)تضمن التصويت مستقبلا للحزب الديمقراطي.

ثانيا/ لايمكن التكهن أو الجزم بقيام صراع مسلح أو حرب أهلية..القضية هنا يمكن وصفها بالصراع الاجتماعي قبيل انتخابات لم تشهد أمريكا مثلا لها وهنا يمكن القول إن (أزمة الهجرة) هي حليف طبيعي للاتحاد الأوروبي الذي يخشى من تغير سياسة الدفاع الأمريكية في حال فوز ترامب نهاية العام.

ثالثا/ لقد قال الرئيس بايدن إن إدارته ستقوم بمفاوضات مع أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين لإيجاد حل للمشكلة وهذا أمر يزعج الرئيس السابق دونالد ترمب حيث سيمنح خصمه فوزا سياسيا في الانتخابات المقبلة ذلك أن موقف ترامب من ملف الهجرة لا يحتاج إلى بيان فقد تعهد بالترحيل الجماعي للمهاجرين غير النظاميين.

رابعا/ يبقى موقف المسؤولين في ولاية تكساس هو الأوضح في كل ما سبق فهم يؤكدون كل ساعة دعمهم للوحدة الوطنية مع رفضهم لسياسات الرئيس بايدن التي تشجع الهجرة غير الشرعية.

خامسا/ حتى الساعة لازالت تكساس تمتلا بالأسلاك الشاءكة وانتشار نقاط تفتيش لشرطة الحدود من مدينة (ايغل باس)إلى كل المدن المجاورة في الولاية لكن كل تلك الإجراءات لم تقف عاءقا أمام المهاجرين الذين حسموا أمرهم بحتمية الوصول للولايات المتحدة وتقديم طلبات اللجوء دون أكترات بما يحدث من أزمات بين بايدن وحاكم تكساس أو بين الجمهوريين والديمقراطيين الذين باتوا يلاعبون بعضهم بملفات لحظية ومؤقتة لن يكون آخرها هو ملف الهجرة الذي كانت تكساس هي مسرحه .