في ما يشبه سباقا محموما بين الدبلوماسية والحرب، تكثفت في الآونة الأخيرة الجهود الدبلوماسية الدولية حول الوضع المتفجر على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية. والسبب أن لبنان وإسرائيل يقفان على حافة حرب واسعة قد تندلع في أي وقت، وتؤدي إلى مضاعفات كبيرة وخطيرة.
فـ"حزب الله" الذي استهل مسلسل المناوشات الحدودية مع إسرائيل في اليوم الذي تلا عملية " طوفان الأقصى" يرفض أن يوقف إطلاق النار، فيما تعتبر إسرائيل أن استمرار المناوشات التي تحولت في الأسابيع الأخيرة إلى حرب استنزاف على الحدود الشمالية لم تعد مقبولة. ومن هنا ارتفعت مخاطر نشوب حرب على الجبهة الشمالية لإسرائيل. ووصل الأمر إلى حد القول إن العد العكسي للحرب بدأ.
وتعود خطورة أي حرب قد تنشب بين إسرائيل و"حزب الله" إلى عاملين: الأول أن إسرائيل تعتبر منذ السابع من أكتوبر الماضي أنها تخوض حرب وجود لا حرب حدود. ولذلك ستخوض حربا طاحنة في ضوء صدمة عملية "طوفان الأقصى"، لا سيما أنها تدرك أن "حزب الله" قد يكون مستقبلا في صدد التحضير لعملية مماثلة لاختراق الحدود الشمالية لإسرائيل والتوغل في الجليل الأعلى. ولذلك فإن الحرب إذا ما نشبت ستضعها إسرائيل تحت عنوان "لا لغزة أخرى"!
أما العامل الآخر فمتعلق بـ"حزب الله" الذي يمتلك قدرات عسكرية تفوق ما تمتلكه حركة حماس والفصائل الفلسطينية في غزة أضعافا مضاعفة. وهو قادر على إلحاق أذى كبيرا بإسرائيل. وهو مصمم على خوض حرب استنزاف ضد إسرائيل بداعي أنه يطبق نظرية "وحدة الساحات" ويخفف الضغط على حركة حماس في قطاع غزة.
لكن الحزب المذكور يحاذر الحرب الشاملة، وفي توقيت ملائم قد يؤثر ترجمة قوته وقدرته على الإيذاء إلى مكاسب سياسية في معادلة السلطة في لبنان استنادا إلى زعم أنه وحده يملك القدرة على "حماية لبنان" من إسرائيل ويتصرف كطرف مسؤول لا يتهور!
أما الواقع فيشير إلى أن التصعيد على الحدود بين إسرائيل و"حزب الله" بلغ الذروة، إلى حد أن الحديث عن حتمية اندلاع الحرب بات يسود كل المحادثات الدبلوماسية التي تشهدها بيروت منذ مطلع العام الحالي.
فزيارات المبعوثين الدوليين، وآخرهم وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، ومستشار شؤون الطاقة في البيت الأبيض آموس هوكستين تركز جل الجهد على منع الحرب بأسلوبين مختلفين ومتكاملين في آن معا.
بالنسبة إلى وزيرة خارجية ألمانيا، فقد ركزت في لقاءاتها مع المسؤولين اللبنانيين الذين عادة ما يطلب إليهم أن يوصلوا الرسائل إلى من يعنيهم الأمر أثارت مسألة العواقب الوخيمة على لبنان في حال نشوب حرب وطرحت أفكارا حول خفض التوتر التدريجي بين "حزب الله" وإسرائيل، وصولا إلى إعادة إحياء دور قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب اللبناني "اليونيفيل" التي قام "حزب الله" بعرقلة كل تحركاتها على مدى الأعوام الماضية.
والأفكار الألمانية لا تختلف كثيرا عن الأفكار التي طرحتها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في زيارتها الأخيرة إلى لبنان، حيث كان الهم هو العودة إلى القرار 1701 وتطبيقه بحذافيره من قبل لبنان وإسرائيل بمعنى آخر أن ينسحب "حزب لله" عسكريا من الجنوب اللبناني بشكل كامل، وأن تمتنع إسرائيل عن أية خروقات للقرار.
من جهته يحمل الموفد الأميركي إلى بيروت حلولا أوسع تهدف إلى حل الأزمة بشكل نهائي. والفكرة الأميركية تقضي بنزع فتيل الاحتكاكات بين الطرفين، من خلال استكمال ترسيم الحدود البرية (أسوة بالحدود البحرية) بين لبنان وإسرائيل، بحيث تنتفي كل الذرائع لقيام "حزب الله" بعمليات ضد إسرائيل تحت عنوان "تحرير الأراضي اللبنانية". لكن دون هذا المسعى الأميركي حقيقة أن ترسيم الحدود البرية لن يطول منطقة مزارع شبعا التي ترفض إسرائيل أن تخليها. فضلا عن أن "حزب الله" يربط وقف إطلاق النار بوقف الحرب في غزة. والأمران شديدا التعقيد.
من هنا يمكن أن يفهم المراقب لغة الوجوم المسيطرة على وجوه المسؤولين اللبنانيين وفي مقدمهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. فهم يعرفون أن القرار ليس بيد الحكومة والمؤسسات الشرعية في البلاد. ويعرفون أيضا أن كل المقترحات المطروحة على الطاولة تبقى رهينة بيد قوة مسلحة تضبط ساعتها على توقيت غير لبناني!