بدت لافتة في توقيتها إشارة الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله إلى توفر "فرصة تاريخية" لتحرير الأرض اللبنانية، وانسحاب إسرائيل من كامل النقاط التي تحتلها وترسيم الحدود، ووقف الاختراقات البرية والجوية والبحرية. وبذلك "يكون قد تم إنجاز التحرير".
فهذه الإشارة التي ارتبطت بشرط وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، تزامنت مع أحداث هزت الساحة اللبنانية في الأسبوع الأول من العام 2024، فقد تمكنت إسرائيل من النجاح في اختراق الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث معقل "حزب الله"، واغتيال القيادي في حماس صالح العاروري وفي عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، وقبل انقضاء الأسبوع، تم اختراق شاشات عرض المعلومات في مطار بيروت الدولي وبث رسائل تتهم "حزب الله" بالسيطرة على المطار وحركته لمصلحة إيران.
وبين الاختراقين تكثفت العمليات العسكرية على جانبي الحدود اللبنانية/الاسرائيلية، متجاوزة قواعد الاشتباك، ما ينذر باحتمال انفلات الجبهة وتوسع الاشتباكات.
وبالتزامن، تكثفت المساعي الدولية والجهود الدبلوماسية للتحذير من عواقب الانفلات مع دعوة إلى ضبط الوضع على الجبهة اللبنانية، وسط مخاوف أميركية من توسيع الحرب، وإرادة واضحة لديها ومنذ اليوم الأول التي تلا عملية "طوفان الأقصى" بعدم التوسيع. وليس أدل على ذلك رغبتها بالتصديق أن لا علاقة لإيران بها ولا معرفة مسبقة لديها بنية حركة "حماس" القيام بها، وعدم تعليقها على التصريحات الإيرانية التي أعقبت اغتيال القيادي في "فيلق القدس" رضى موسوي من أن العملية جاءت كحلقة من حلقات الانتقام لاغتيال قائد الفيلق قاسم سليماني.
والمفارقة أن "حزب الله" بدوره لم يعلِّق على هذا التصريح، ولم يتطرق إليه نصر الله في الكلمتين اللتين أعقبتا اغتيال العاروري، وسط سعي واضح من الحزب لتجنب التصعيد الكبير وايحاءٍ أوضح باستعداده لفتح باب المفاوضات بعد وقف الإبادة الممنهجة لفلسطيني قطاع غزة.
ووسط هذه المعطيات، يستقبل لبنان موفدين دوليين للبحث في سبل التهدئة، كما هو معلن، وللبحث أبعد من ذلك، وفق التسريبات المتدفقة عن "الفرصة التاريخية" ومسلتزماتها، مع تغليب مسار التفاوض على الرغم من سخونة الجبهات وفداحة الاختراقات، وعلى الرغم من استمرار المسؤولين الإسرائيليين بتكرار تهديداتهم للبنان و"حزب الله" بشن حرب إذا فشل الخيار الديبلوماسي، والذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية خصوصاً عبر مبعوثها آموس هوكشتاين، الذي ينتظر أجوبة ما ليزور لبنان.
وكأن إسرائيل من خلال الاستفزازات والاغتيالات تريد تقويض الجهود الأميركية وإفشال المساعي الإيرانية للحصول على الجائزة الكبرى في اليوم التالي لانتهاء الحرب على غزة.. في آن معا.
ففي حين تشير بعض المعلومات، وفق الإعلام الأميركي، إلى القلق من "أن يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن توسيع القتال في لبنان أمر أساسي لبقائه السياسي وسط انتقادات داخلية لفشل حكومته في منع هجوم حماس في 7 أكتوبر"، وإذا فعل ذلك، ونجح بتوسيع نطاق الحرب يأخذ واشنطن إلى حيث لا تريد، وحينها سيرغم إيران بدورها إلى الى حيث لا تريد.
وهنا بيت القصيد في محاولة نتنياهو استفزاز "حزب الله" ومعه رأس محوره الإيراني من خلال الاختراقات التي شملت الساحة اللبنانية ولم توفر سوريا والعراق، والتي لا يزال يواجهها هذا المحور بـ"الصبر الاستراتيجي" وضبط النفس وتقديم العروض مع إبداء الاستعداد لتلقف "الفرصة التاريخية". فرئيس الحكومة الإسرائيلية يواصل "تمرده" على التوجه الأميركي لحصر الحرب بغزة من جهة، كما يرمي من جهة ثانية إلى إفشال الخطة الإيرانية التي سعت إلى قلب الطاولة على ما كان قبل "طوفان الأقصى"، وإلى قطع الطريق على ما تسعى إليه إذا ما بدأ البحث الجدي في اليوم التالي للحرب على غزة، لتطالب بما يخدم مصلحتها، سواء في لبنان المخترق، بحيث يحصد الحزب لمصلحتها ثمار حكمته وتبصره، وابتعاده عن ردود الفعل المتهورة. والأهم قطع الطريق على ما يمكن أن تحصِّله إيران من الولايات المتحدة كثمن لكل هذا "الصبر الاستراتيجي" إذا ما بدأ العمل لوضع أسس تسوية إقليمية تتيح لها الحصول على الجائزة الكبرى.