قبل ساعات من انتهاء العام الميلادي كان بإمكاننا القول إن استبعاد ولاية ماين الرئيس السابق دونالد ترامب من الانتخابات التمهيدية المقبلة لم يشكل تلك الصدمة (المتوقعة) لفريقه الانتخابي أو حتى للأميركيين الذين تعودوا على (قضايا) تخصه وتتجدد كل أسبوع منذ العام 2020 حيث كانت خسارة ترامب للانتخابات وبات هو منذ تلك الخسارة الشغل الشاغل داخل أميركا وخارجها للإعلام وقنواته.
لقد كان المبرر لهذا الاستبعاد الجديد أقرب إلى copy paste من قرار ولاية كولورادو قبل أسبوع وأكثر حيث الادعاء بالقول إن ترامب حرض على التمرد ونشر مزاعم كاذبة حول تزوير الأصوات في الانتخابات السابقة ولتكرر ولاية ماين القول بأنه ليس أهلا لتولي منصب رئيس الولايات المتحدة.
بداية أقول إن الذي دعاني إلى تأخير مقالي الأسبوعي على هذا الموقع الإلكتروني ما نقله لي ليلة رأس السنة أحد مستشاري الرئيس ترامب من أن الفريق القانوني سيقدم طعنا على قرار ولاية ماين وهو ما حدث في الثالث من يناير الجاري حيث رفع ترامب دعوى قضائية لإعادة اسمه إلى الاقتراع الرئاسي التمهيدي في ولاية ماين وكذلك طلب محامو ترامب إبطال القرار زاعمين أن الوزيرة (الديمقراطية) المسؤولة عن تنظيم الانتخابات منحازة وتتصرف بطريقة تعسفية ومتقلبة مؤكدين على ما صرح به ترامب من وصف الوزيرة المذكورة بأنها يسارية متطرفة ومؤيدة متحمسة لجو بايدن.. وفي اليوم التالي الرابع من يناير قدم الرئيس طعنا مماثلا كذلك أمام أعلى هيئة قضائية في ولاية كولورادو وأيضا تقدم فريقه بطلب إلى المحكمة الأميركية العليا بشأن النظر في القرار الصادر بحق موكلهم والطلب بإعلان بطلانه.. ولا نغفل هنا أن الحزب الجمهوري عاد إلى سيرته الأولى في دعم ترامب في أي قضية حيث سارع حاكم فلوريدا رون ديسانتيس إلى الدفاع عن ترامب في مواجهة قرار ولاية ماين وحتى السيناتور الجمهورية سوزان كولينز دعت ولايتها (ماين) لدعم ترامب.
قرار ولاية ماين، مثله مثل قرار كولورادو ويشابهه في تبعاته، حيث أن الانتخابات للحزب الجمهوري ستجري في كلتا الولايتين في الخامس من مارس وكذلك فإن الولايات الأخرى رفعت فيها دعاوى عدة رغبة في قطع الطريق أمام ترامب للفوز بالرئاسة نهاية العام وأن أصدرت محاكم أخرى مثل ميشيغان رفضها لطلب استبعاده من الانتخابات.
في رأيي فإن كل من الدعويين ومهما بلغ المتاعب فيها للرئيس ترامب وفريقه من التحديات القانونية المصاحبة لهما سيبقى هو الزعيم الجمهوري الأكثر إمكانية للفوز، فأهلية تولي المنصب، حسب ما فهمت من قراءتي للنقاط الخاصة بهذا الأمر في الدستور، تعود إلى الكونغرس حصرا وليس إلى محكمة ولاية ولا شأن للولاية بالنظر في (أهلية الرئيس المرشح) ولا اتخاذ قرار بشأنها وفحوى ما تزعمه كلتا الولايتين هي أن أي مرشح شارك من قبل في (تمرد) لا يحق له الترشح من الأساس بالنظر إلى المادة الثالثة من التعديل الرابع عشر وليس حديثهم هنا عن أن لهم سلطة كمسؤولين انتخابيين في حرمان اي مرشح -في أي ولاية- من خوض الانتخابات.. وبالتالي فإن حكم المحكمة العليا الأميركية هو من يحدد ما إذا كان ترامب مؤهلا للترشح في الاقتراع الأولي في كولورادو وماين والرئيس ترامب قد استوفى جميع المتطلبات التي نص عليها القانون في ولايتي كولورادو وماين وبالتالي يحق له أن يوضع اسمه في الاقتراع التمهيدي للحزب الجمهوري.
اليوم باتت هذه الدعاوى المتكررة ضد ترامب أقرب إلى ما يمكن وصفه بجهود حزبية يقوم بها مسؤولون محسوبون على الحزب الديمقراطي ضد مرشح وضد الديمقراطية الأميركية بالعموم نتيجة اعتمادهم على قوة المؤسسات الحكومية التي هي تحت قبضتهم.. وبات سائدا كذلك القول إن "الديمقراطية الأميركية تنهار"، حيث حاول خصوم ترامب إزالة اسمه من بطاقات الاقتراع في ولايات زادت عن 16 ولاية لكن الرأي القانوني الذي ذكرته يبقى ساريا وكذلك وبعد هذه الطعون الثلاث التي قدمها ترامب وفريقه ستقوم كل من المحكمة العليا في كولورادو وماين بالاستماع إلى الأسس الموضوعية للقضية والنظر بعد ذلك في تسريع النظر في القضية في كل من الولايتين.. واذا أيدت المحكمة العليا في أميركا قرار كولورادو وماين ستحذو ولايات أخرى حذوها وتستبعد المرشح ترامب.. أما إذا ألغت قرارات الولايتين فسيكون هذا دليلا قاطعا على أن تلك القرارات ما كانت إلا تلاعبا واستهتارا بالديمقراطية الأميركية بل وإساءة لنص الدستور بعد تعمد إساءة فهمه.
ترامب شخصية فريدة التميز حتى في أروقة القضاء.. القضاء الأميركي الذي سيملأه اسم ترامب طوال العام في 4 قضايا منفصلة -وربما تزيد - وفي 91 تهمة جنائية تتضمنها تلك القضايا حتى بات يصح فيه القول إنه "الرئيس الأميركي كل الأوقات" حتى ولو لم يكن على كرسي الرئاسة.. فلا الرئيس الحالي يشغل الإعلام كما يشغله الرئيس السابق (ترامب) وليس هناك من رئيس أميركي لم تغب عنه الأضواء لحظة بعد تركه للرئاسة مثل ترامب ولا القضاء الأميركي شغل اروقته إلا ترامب ولا رئيس أميركي خرج من الرئاسة لأربع سنين وسيعود لها قطعا إلا ترامب.. وفي يوم من الأيام سيسجل التاريخ الأميركي أن "الكاريزما" عندما حملتها الأقدار لتوزع على رؤساء أميركا منذ قيامها فإن نصفها ناله ترامب ووزع الباقي على رؤساء أميركا الآخرين.
بعد أقل من أسبوعين ستبدأ عمليات الترشح وانعقاد المؤتمرات الحزبية في الولايات تباعا ومن نافلة القول إن شعبية ترامب تعززت لدى الناخبين الجمهوريين بسبب مشاكله القانونية المتزايدة فهو حسب كل الاستطلاعات يحظى في الحد الأدنى بدعم نصف الناخبين الجمهوريين في انتظار انتخابات أسطورية وكلاسيكية ودرامية وسياسية وقانونية غير مسبوقة ولا يمكن أن تتكرر في لحظات أخرى من التاريخ الأميركي القادم الذي بات ترامب -وهو صاحب الديناميكيات المتجددة التي تستقطب كثيرا من الأميركيين- بالنسبة له مثل "بابا نويل" الذي ينتظره الجميع.