الكل يتحدث عن اليوم التالي في غزة وكذلك تتحدث الأطراف الدولية والإقليمية باهتمام عميق عن أهمية العودة إلى ما قبل هجمات حماس الإرهابية في السابع من أكتوبر 2023، غير أن الجميع يتجاهل أهمية البحث عن إسحاق رابين آخر داخل إسرائيل.

من الغريب أن لا أحد يبحث عن نسخة أخرى من ذلك الرجل العسكري الذي خاض حروبا مع العرب ثم استوعب أن بإمكانه أن يصنع شيئا مختلفا معهم، لم تكن اتفاقية أوسلو 1993 حدثا عابرا في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي فحسب، بل كانت تحولا عميقا في داخل العقل الإسرائيلي وهو ينتج مسارا للتعايش ويرسم مسارا مختلفا عن مسارات الحرب والصراع.

لا يمكن اعتبار هذه الشخصيات الإسرائيلية من أمثال بن غفير وسموتريتش وحتى بنيامين نتنياهو أنها قادرة على منح الأمن للإسرائيليين، هذه التشكيلة المتشددة في الحقيقة هي التي تمد الطرف الآخر عند العرب من أن تنتج تشكيلة من المتطرفين، حسن نصر الله وعبدالملك الحوثي وحتى أسامة بن لادن وأبوبكر البغدادي هم وجه آخر للتشدد في داخل إسرائيل، التطرف ينتج تطرفا في المقابل، وقد علمنا التاريخ وأرشدنا إلى أن المتطرف أيديولوجيا غارق في أزمنة ماضوية لا يمكنه معها أن يتعايش مع الواقع المعاصر، وهو ما يبعده عن اتخاذ القرارات الصحيحة.

إسرائيل تحتاج إلى من يدفعها إلى أن تفكر في داخلها لتبحث عن نفسها، فهذا هو مدخل اليوم التالي بل والتالية في الشرق الأوسط، مناحم بيغن أحد مؤسسي حزب الليكود ومعه غولدا مائير شكلا معا مفهوما في أن إسرائيل قادرة على إنتاج أفكار للسلام، حتى وإن كانت هذه البلاد قامت على أساس عقائدي شأنها شأن دول وكيانات مماثلة في المنطقة، فهذا لا يعني أن لا إمكانية لخلق مسارات تحيد عن الصراعات الأيديولوجية، ما شكلته إسرائيل من نظام ديمقراطي في منطقة لم تعرف شكلا سياسيا يتماهى معها كان أحد أقوى أسلحة إسرائيل في أن تظل موجودة رغم الحروب، ومع ذلك فإن ما مر عليها لم يكن دائما ناتجا يدفع باتجاه الاستقرار.

كيف يمكن للشعب الإسرائيلي أن يسأل نفسه إن كان يريد أن يقبل بهم العالم العربي وهم قبلوا بأنفسهم أن يكون أحد قادتهم ما بعد الاتفاقيات الإبراهيمية، مثل بن غفير الذي كان في عمر 20 سنة عندما قاد حركة احتاج ضد رابين وكان قريبا من سيارته محاولا الاعتداء عليه؟ كيف بلغت إسرائيل إلى هذه الدرجة من التشدد؟ ولماذا وصلت إلى شعبوية بهذا القدر غير المسبوق في تاريخها السياسي؟ الإسرائيليون كانوا منذ اغتيال إسحاق رابين 1995 وهم في الواقع يعيشون انقساما يتسع بين التطرف والاعتدال، في المقابل كان العالم العربي يتخفف من أفكار التطرف الإسلاموي ويتجه إلى الاعتدال، وما الاتفاقيات الإبراهيمية سوى إفراز يؤكد بأن نهجا عربيا معتدلا وصل إلى ما كان يعتقد أنه مستحيل الوصول إليه.

أن البحث عن إسحاق رابين آخر داخل إسرائيل مدخل مهم لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، فهذا الشخص هو الذي سيتمكن من توحيد الإسرائيليين حول هدف مشترك هو السلام مع الفلسطينيين، كما أنه سيكون قادرا على بناء الثقة مع العالم العربي، لكن من أين يمكن أن يأتي هذا الشخص؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال، لكن من المؤكد أنه يجب أن يكون شخصا يتمتع بالحكمة والرؤية والقدرة على القيادة. يجب أن يكون شخصا قادرا على تجاوز الخلافات الأيديولوجية والحزبية، والتركيز على مصلحة إسرائيل العليا.

إذا تمكن الإسرائيليون من العثور على هذا الشخص، فإنهم سيكونون قد وضعوا أنفسهم على الطريق الصحيح لتحقيق السلام في الشرق الأوسط على قاعدة حل الدولتين.